في قلب غزة المحاصرة حيث الجدران تنهار والأرواح تتبدد تحت وطأة الحصار والدمار، لم يعد هناك مكان للأمل ولا للشفاء، إلا بمعجزات ربانية فقط، المستشفيات تحولت إلى مجرد أطلال تئن تحت وطأة الإصابات والأمراض، الأدوية نفدت والمستلزمات الطبية أصبحت ذكرى من الماضي،
الأطفال يموتون جوعا والأمهات يبكين على أطفالهن الذين رحلوا بسبب سوء التغذية والعجز الطبي، العائلات تهجر من منازلها والقصف لا يتوقف والعالم يشاهد في صمت هذه ليست مجرد أرقام هذه قصص بشرية ترويها غزة كل يوم بألم وصمود.
الوضع الصحي كارثي والمستشفيات تعمل فوق طاقتها
قال الدكتور ريك بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في الأرض الفلسطينية المحتلة إن الأوضاع الصحية في غزة وصلت إلى مرحلة الكارثة، حيث تعمل المستشفيات بما يفوق طاقتها القصوى في ظل النفاد التام لبعض الأدوية المنقذة للحياة وتزايد الوفيات الناجمة عن سوء التغذية والأمراض.
الدكتور ريك بيبركورن تحدث للصحفيين في جنيف عبر الفيديو من القدس، مؤكدا أن أقل من نصف مستشفيات غزة وأقل من 38% من مراكز الرعاية الصحية الأولية تعمل جزئيا أو بمستويات دنيا.
نقص حاد فى الأدوية
وأضاف بيبركورن أن النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية قد تفاقم حيث وصل مخزون 52% من الأدوية و68% من المستلزمات الطبية إلى الصفر.
ضغط المستشفيات
وتعاني المستشفيات من ضغط شديد بسبب الإصابات في مناطق توزيع الغذاء، مما تسبب في نقص مستمر في الدم والبلازما، كما أشار إلى مقتل ما لا يقل عن 1655 شخصا في تلك المناطق وإصابة أكثر من 11800 شخص منذ 27 مايو الماضى.
تهديدات جديدة تزيد الأزمة تعقيدا
تفاقمت الأزمة بسبب أوامر الإجلاء في مدينة غزة، والتي وضعت مستودع منظمة الصحة العالمية في منطقة إخلاء كما تقع المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية ومرافق الإسعاف داخل هذه المناطق أو بالقرب منها مما يهدد بمزيد من التعطيل للخدمات.
التهاب السحايا
ووصلت حالات التهاب السحايا المشتبه بها إلى 452 حالة بين يوليو المنقضى وأوائل أغسطس الجارى، وهو أعلى رقم منذ بدء التصعيد، كما ارتفعت الإصابات بمتلازمة غيلان باريه وهي مرض عصبي ومناعي يصيب الجهاز العصبي ويسبب شللا عضليا تدريجيا حيث سجلت 76 حالة مشتبه بها منذ يونيو المنقضى.
وأكد الدكتور بيبركورن أن علاج كلتا الحالتين أصبح أصعب بسبب انعدام مخزون الأدوية الحيوية بما في ذلك الغلوبولين المناعي الوريدي ومضادات الالتهاب.
تحديات الوصول والإمدادات الطبية
لا يزال وصول الفرق الطبية الدولية والإمدادات الطبية يشكل عقبة رئيسية، حيث أشار الدكتور بيبركورن إلى رفض دخول المسعفين الدوليين وتعطيل دخول مواد أساسية مثل معدات العناية المركزة وأجهزة التخدير ولوازم سلسلة التبريد.
ورغم أن منظمة الصحة العالمية تمكنت من إدخال 80 شاحنة من الإمدادات الطبية منذ يونيو الماضى، إلا أن الإجراءات تبقى بطيئة وغير متوقعة حيث تتأخر أو ترفض العديد من الشحنات.
فتح المعابر
وقال نحتاج إلى فتح العديد من المعابر المؤدية إلى غزة وتبسيط الإجراءات ورفع عوائق الوصول، ونسمع عن السماح بدخول مزيد من الإمدادات الإنسانية لكن هذا لا يحدث أو يحدث ببطء شديد.
شهادات مروعة عن انتهاكات بحق العاملين الصحيين
قالت الدكتورة حنان بلخي المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية إنها استمعت إلى شهادات مروعة عن إساءة معاملة موظفي منظمة الصحة العالمية وأسرهم أثناء الهجوم الإسرائيلي الأخير على دار ضيافة المنظمة في دير البلح وسط قطاع غزة الذي قصف ثلاث مرات وأخلي بالقوة ودمر.
وأضافت بلخي عبر موقع إكس أن أحد الزملاء لا يزال محتجزا وطالبت بالإفراج الفوري عنه.
وأكدت أن موظفي منظمة الصحة العالمية في غزة يواصلون خدمة المحتاجين رغم الصدمات والعنف وقالت موجهة كلامها لهم شكرا لشجاعتكم والتزامكم الثابت بالمبادئ الإنسانية، ويجب ألا يخذلكم العالم ويجب ألا يخذل أهل غزة.
الجوع وسوء التغذية يصلان إلى مستويات قياسية
حذر برنامج الأغذية العالمي من وصول الجوع وسوء التغذية في غزة إلى أعلى مستوياتهما منذ بدء الصراع في أكتوبر تشرين الأول 2023.
وأفادت وزارة الصحة في غزة بأن خمسة أشخاص لقوا مصرعهم خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية بسبب سوء التغذية والجوع الشديد ليصل عدد الوفيات المرتبطة بسوء التغذية إلى 227 منهم 103 أطفال منذ أكتوبر تشرين الأول 2023.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن الإمدادات الإنسانية التي تدخل القطاع لا تزال أقل من الحد الأدنى المطلوب لتلبية الاحتياجات الهائلة.
وأضاف نحن وشركاؤنا نواصل فعل كل ما يمكن لإدخال المساعدات إلى غزة ولكن التحركات الإنسانية لا تزال تواجه تأخيرات كبيرة وعوائق أخرى تمنعنا من توصيل المساعدات على النطاق الواسع المطلوب.
اليونسكو تدين مقتل صحفيين في غزة
أدانت المديرة العامة لمنظمة اليونسكو مقتل الصحفيين أنس الشريف، ومحمد قريقع، وإبراهيم ظاهر، ومحمد نوفل، ومؤمن عليوة، ومحمد القاضي، في مدينة غزة في العاشر من أغسطس الجارى.
ودعت أودري أزولاي المديرة العامة لليونسكو إلى إجراء تحقيق شامل وشفاف مؤكدة أن استهداف الصحفيين الذين يغطون الصراعات غير مقبول ويتناقض مع القانون الدولي الإنساني.
وسجلت اليونسكو مقتل ما لا يقل عن 62 صحفيا وعاملا في المجال الإعلامي أثناء عملهم في فلسطين منذ 7 أكتوبر 2023.
غزة تئن
غزة تئن تحت وطأة حصار لا يرحم وجوع يفتك بالأبرياء وأطفال يموتون في صمت، العالم يشاهد وكأن الأمر لا يعنيه، لكن الصمود الفلسطيني لا ينكسر رغم كل هذا الألم والدمار، إلى متى سيستمر هذا الصمت الدولي وإلى متى ستظل غزة تدفع ثمن صمودها وحقها في الحياة؟