شهدت الساحة السياسية في تشاد تطورًا مثيرًا للجدل بعد إصدار القضاء حكمًا يقضي بسجن المعارض البارز ورئيس حزب “المحوّلون”، ورئيس الوزراء الأسبق سيكسيه ماسرا، لمدة 20 عامًا نافذة وغرامة مالية قدرها مليار فرنك إفريقي، على خلفية اتهامات تتعلق بـ”نشر رسائل عنصرية” و”الانتماء إلى جمعية إجرامية” و”التواطؤ في جرائم قتل” مرتبطة بأحداث العنف الطائفي في منطقة مانداكاو جنوبي البلاد.
وبحسب تغريدة للخبير الموريتاني المتخصص في الشئون الإفريقية سلطان البان علي منصة “إكس “لم يأت هذا الحكم، الذي صدر يوم السبت 9 أغسطس 2025، في سياق قانوني بحت، بل فتح أبوابًا واسعة للنقاش حول طبيعة المحاكمة وعلاقتها بالتجاذبات السياسية التي تشهدها البلاد منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
تعود جذور القضية إلى 14 مايو 2025، حين اندلعت اشتباكات دامية بين مجموعات عرقية في مانداكاو، تحديدًا بين مزارعين من جماعة “نغامباي” ورعاة من قبيلة “فولبي”.

وأسفرت المواجهات عن سقوط عشرات القتلى واحتراق عشرات المساكن، وسط اتهامات بتحريض متعمد وتأجيج للنزاع من أطراف توصف محليا بأنها “ذات مصالح سياسية وأمنية”. بعد يومين فقط،
وقد أوقفت قوات الأمن ماسرا، ووجهت له اتهامات ثقيلة تضمنت التحريض على الكراهية والانتماء لتنظيم إجرامي مسلح. لاحقًا، توسعت المحاكمة لتشمل أكثر من 70 شخصًا من أنصاره الذين أُدينوا بدرجات متفاوتة من العقوبات.
وخلال جلسات المحاكمة، ركز فريق الدفاع على غياب الأدلة الملموسة ضد ماسرا، واعتبر القضية “ملفقة” لتصفية حسابات سياسية. وصرح منسق هيئة الدفاع فرانسيس كاجيليمباي أن الحكم يكرس “سياسة استغلال القضاء لإقصاء الخصوم السياسيين”،
واشار فريق الدفاع إلى أن موكله تعرض للإذلال، وأن النيابة العامة تجاهلت وثائق تثبت وجود صلح قبلي سبق الأحداث. منظمات حقوقية إقليمية ودولية وجّهت انتقادات مماثلة، معتبرة أن المحاكمة تمثل اختبارًا لاستقلالية القضاء التشادي، فيما أبدى أنصار ماسرا تضامنهم، مؤكدين استمرار النضال السياسي رغم القيود.
وفي هذا السياق لا يمكن فصل قضية ماسرا عن المشهد السياسي في تشاد، خاصة أنه كان منافسًا بارزًا للرئيس محمد إدريس ديبي إيتنو في الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو 2024، وحصل فيها على نحو 18.5% من الأصوات.
وقد تولي ماسرا منصب رئيس الوزراء قبل الانتخابات، ثم استقال بعد خسارته، جعله في موقع حساس داخل التوازنات السياسية، خصوصًا مع تزايد شعبيته بين فئات الشباب والمناطق الجنوبية المهمشة.
ويشكل الحكم على ماسارا رسالة ردع لبقية المعارضة، في وقت تسعى فيه السلطة لترسيخ قبضتها على المشهد السياسي في مرحلة ما بعد الانتقال.
وداخليا من المتوقع أن يعمّق الحكم الانقسام بين الحكومة والمعارضة، ويؤجج الاحتقان في المناطق الجنوبية، خاصة وسط الأقليات التي تشعر بالتهميش.
وعلي الصعيد اخارجي قد يعرّض القرار علاقات تشاد مع الشركاء الدوليين لانتقادات، خصوصًا على صعيد التزاماتها في مجال حقوق الإنسان، وقد يؤثر على تدفق المساعدات أو دعم برامج التنمية.
وتمثل قضية سيكسيه ماسرا مرآة تعكس تعقيدات المشهد التشادي حيث تتقاطع الصراعات العرقية مع المنافسة السياسية الحادة، في ظل مؤسسات قضائية تواجه اتهامات بعدم الحياد.
ولا يعد الحكم بالسجن 20 عامًا على شخصية سياسية معارضة ومرشح رئاسي سابق بهذا الثقل مجرد إجراء قانوني، بل هو جزء من معادلة أكبر تتعلق بمستقبل الديمقراطية، واستقرار الحكم، وإمكانية الانتقال السلمي بين السلطة والمعارضة في بلد يعيش على وقع التحولات الهشة.