يُعد كتاب “النظرية الثقافية والثقافة الشعبية” (Cultural Theory and Popular Culture) أحد الأعمال الأكاديمية البارزة التي تتناول مفهوم الثقافة الشعبية من منظور نظري عميق، إذ يسعى المؤلف جون ستوري إلى تحليل الأطر الفكرية التي تشكّل فهمنا لما يُسمّى بـ”الثقافة الجماهيرية” أو “الثقافة الشعبية”، وكيفية تفاعلها مع الثقافة العليا، والسياسة، والاقتصاد، والإعلام.
الكتاب ليس مجرد عرض وصفي للمفاهيم، بل هو دراسة نقدية متكاملة تجمع بين التحليل التاريخي والسوسيولوجي والنقد الثقافي، وتضع القارئ أمام شبكة معقدة من المفاهيم مثل الهيمنة الثقافية، والتمثيل، والاستهلاك، وإنتاج المعنى.
مضمون الكتاب وفكرته
ينطلق ستوري من فرضية أن الثقافة الشعبية ليست مجرد ترفيه أو إنتاج جماهيري بسيط، بل هي ساحة صراع أيديولوجي تتجاذبها القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ويكشف أن ما نستهلكه يومياً من أغاني، وأفلام، وبرامج تلفزيونية، وموضة، هو جزء من عملية أعمق لإعادة إنتاج القيم السائدة، أو لمقاومتها.
يتدرج المؤلف في تفكيك المفهوم من خلال عرض أهم المدارس الفكرية التي تناولت الثقافة الشعبية:
1- المدرسة الماركسية: التي ترى الثقافة الشعبية انعكاساً للبنية الاقتصادية وأداة لإدامة هيمنة الطبقة المسيطرة.
2- مدرسة فرانكفورت: التي انتقدت “صناعة الثقافة” بوصفها وسيلة لخلق وعي زائف وتخدير الجماهير.
3- الأنثروبولوجيا الثقافية: التي تعاملت مع الثقافة الشعبية باعتبارها تعبيراً عن الهوية المجتمعية والممارسات اليومية.
4- الدراسات الثقافية البريطانية (مركز برمنغهام): التي رأت الثقافة الشعبية مساحة للمقاومة والتفاوض مع السلطة.
5- النظرية ما بعد الحداثية: التي أذابت الحدود بين الثقافة العليا والشعبية، واعتبرت كل النصوص الثقافية متساوية في الأهمية.
الفصول والمحاور الأساسية
رغم اختلاف طبعات الكتاب، فإن البنية العامة تدور حول سبعة محاور رئيسية:
تعريف الثقافة الشعبية وإشكالية التسمية.
الهيمنة والمقاومة: كيف تفرض السلطة قيمها، وكيف تستجيب الجماهير.
صناعة الثقافة: دور الإعلام والسينما والموسيقى في تشكيل الوعي الجمعي.
الهوية والانتماء: كيف تصنع الثقافة الشعبية هويات فردية وجماعية.
الاستقبال والتأويل: الجمهور ليس سلبياً، بل يعيد تفسير النصوص وفق سياقه.
العولمة وتأثيرها في طمس الخصوصيات المحلية أو إعادة إنتاجها.
ما بعد الحداثة ونهاية التراتبية بين الثقافة العليا والشعبية.
أهمية الكتاب
يمثل هذا العمل مرجعاً أساسياً لطلاب الدراسات الثقافية والإعلامية، وللمهتمين بفهم العلاقة المعقدة بين الثقافة والسياسة والاقتصاد. أهميته تكمن في أنه لا يكتفي بعرض المدارس الفكرية، بل يقيم بينها حواراً نقدياً، ويبين أوجه القوة والقصور في كل اتجاه. كما يمنح القارئ أدوات تحليلية تساعده على قراءة الظواهر المعاصرة مثل ثقافة المشاهير، وانتشار الموضات، وصعود وسائل التواصل الاجتماعي كقوة ثقافية جديدة.
سيرة المؤلف جون ستوري
جون ستوري أستاذ بارز في الدراسات الثقافية بجامعة سندرلاند البريطانية، ويمتلك رصيداً من المؤلفات المؤثرة في حقل الثقافة والإعلام، مثل:
Cultural Theory and Popular Culture – النظرية الثقافية والثقافة الشعبية.
An Introduction to Cultural Theory and Popular Culture – مقدمة في النظرية الثقافية والثقافة الشعبية.
Inventing Popular Culture – اختراع الثقافة الشعبية.
عرف عنه قدرته على تبسيط النظريات المعقدة دون فقدان العمق الأكاديمي، مما جعله جسراً بين الباحثين والجمهور العام.
مقارنة بكتب عربية تناولت الثقافة الشعبية
في السياق العربي، نجد عدداً من المؤلفات التي حاولت تفكيك مفهوم الثقافة الشعبية، وإن كانت تختلف في مناهجها عن الطرح الغربي. من أبرزها:
“في الثقافة الشعبية” لعبد الحميد يونس، الذي اهتم بجمع التراث الشفهي وتحليله.
“الثقافة الشعبية العربية” لسيد عويس، الذي درس الأمثال الشعبية والرموز في الوعي الجمعي.
“مدخل إلى الثقافة الشعبية” لإبراهيم عبد الحليم، الذي تناول الإطار النظري والميداني للفولكلور العربي.
وعلى الرغم من أن هذه الكتب ركزت غالباً على الجوانب التراثية، فإن عمل جون ستوري يتميز بربطه الثقافة الشعبية بالهيمنة السياسية والاقتصاد العالمي والعولمة، وهو منظور ما يزال قليل الحضور في الدراسات العربية.
النظرية الثقافية والثقافة الشعبية
يُعد “النظرية الثقافية والثقافة الشعبية” أكثر من كتاب أكاديمي، فهو خريطة فكرية تساعد على فهم العالم الذي نعيش فيه، وكيف تؤثر المنتجات الثقافية في وعينا، وتعيد تشكيل تصوراتنا عن الذات والآخر. في زمن تزداد فيه قوة الإعلام ومنصات التواصل، يصبح هذا الكتاب أداة لفهم ليس فقط ما نستهلكه من ثقافة، بل كيف نصنعها نحن أيضاً.