التطورات الأخيرة في العلاقات الدبلوماسية بين لبنان والنظام الإيراني تشكل نقطة تحول بارزة في توجهات السياسة الخارجية لبيروت.
فزيارة علي لاريجاني، الممثل الخاص للولي الفقيه، إلى لبنان،وفقا لرؤية تحليلية للمعارض الإيراي عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بدلاً من أن تكون رمزًا للتعاون والتقارب، تحولت إلى منصة لإطلاق تحذيرات غير مسبوقة ضد التدخلات الخارجية.
ولا تعكس هذه التصريحات فقط حساسية متزايدة تجاه نفوذ الوكلاء الإيرانيين، بل تبرز أيضًا إرادة قوية لدى الدولة اللبنانية لإعادة رسم حدود السيادة الوطنية، مما دفع المحللين والمراقبين إلى اعتبار الزيارة فشلاً ذريعًا وفضيحة كبرى للنظام الإيراني.
وذكرت وكالات الأنباء أن الرئيس اللبناني، جوزيف عون، أكد خلال اللقاء أن “الدولة فقط هي من تحمل السلاح، والتدخل الخارجي ممنوع”وتفسر هذه الجملة على أنها إعلان رسمي لإنهاء شرعية أي قوة مسلحة خارج إطار الدولة.

وأضاف عون، الذي أطلق هذه التصريحات بعد أيام قليلة من إقرار خطة نزع سلاح حزب الله، أنه لا يُسمح لأي جماعة في لبنان بحمل السلاح أو الاعتماد على دعم خارجي، وأن “التعاون مع إيران لا يمكن أن يتم إلا في إطار السيادة الوطنية والاحترام المتبادل”.
في السياق ذاته، وصف رئيس الوزراء اللبناني، الدكتور نواف سلام، خلال حديثه مع الوفد الإيراني، التصريحات الأخيرة لمسؤولي النظام بأنها “مرفوضة” و”تجاوز سافر للمبادئ الدبلوماسية وانتهاك لمبدأ الاحترام المتبادل”.
حذر سلام من أن بلاده “لبنان لن يقبل التدخّل في شؤونه الداخلية..وقرارات الحكومة لا يُسمح أن تكون موضع نقاش”.
من جانبه، اعتبر رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة هذه المواقف بأنها “غير مسبوقة”، مشدداً على ضرورة التنفيذ الكامل لخطة نزع سلاح حزب الله، التي قال إن الحكومة أقرت مبادئها وعهدت بتنفيذها إلى الجيش. وأكد السنيورة أن نجاح هذه الخطة يتطلب “الحكمة والحزم”، في إشارة إلى أن معادلة الأمن والسياسة في لبنان تمر بنقطة تحول تاريخية حساسة.
وقد وصفت وسائل الإعلام اللبنانية الأجواء التي سبقت زيارة لاريجاني بأنها “متوترة”. وكتبت صحيفة “نداء الوطن” 13 أغسطس أن التصريحات الأخيرة لبعض المسؤولين الإيرانيين، ولا سيما وزير الخارجية عباس عراقجي، وعلي أكبر ولايتي، والعميد مسجدي، مرفوضة شكلاً ومضموناً.

فهذه المواقف، بما انطوت عليه من انتقاد مباشر لقرارات لبنانية اتخذتها السلطات الدستورية في البلاد، ولا سيما تلك التي حملت تهديداً صريحاً ، تشكّل خروجاً صارخاً عن الاصول الدبلوماسية وانتهاكاً لمبدأ احترام السيادة المتبادل الذي يشكّل ركيزة لأي علاقة ثنائية سليمة وقاعدة أساسية في العلاقات الدولية والقانون الدولي، وهي قاعدة غير قابلة للتجاوز.
من منظور تحليل العلاقات الدولية، تشير هذه المواقف إلى انتقال لبنان من نهج “مداراة النفوذ” الإيراني إلى “مقاومة النفوذ”. ويمكن فهم الوضع الحالي في سياق الهزائم والإخفاقات المتتالية للنظام الإيراني ووكلائه في المنطقة؛وهي ظروف لم تعد تسمح للبنان بتحمل وجود قوات تعمل بالوكالة على أراضيه.
وفي الوقت نفسه، سيكون لهذا النهج الجديد تداعيات تتجاوز حدود لبنان، حيث إن سياسات النظام الإيراني في المنطقة كانت مبنية على وجود وقوة الميليشيات. يمكن اعتبار التحذيرات الصريحة وغير المسبوقة من المسئولين اللبنانيين نقطة انطلاق لإعادة تعريف علاقات بلادهم في مواجهة الإرهاب والتطرف المصدر، وإذا استمر هذا المسار، يمكن أن يصبح لبنان نموذجاً لدول أخرى في المنطقة لاستعادة سيادتها من القوات العاملة بالوكالة.