في ظل ما يتعرض له الصحفيون في غزة من استهداف ممنهج وحصار خانق، يصبح العمل الصحفي هناك مهمة شديدة الصعوبة، بل أشبه بمعركة يومية بين الحياة والموت. نضال حسن شامية، الصحفي في تلفزيون فلسطين، يشاركنا تفاصيل تجربته الممتدة منذ عام 2000 في تغطية الأحداث، حيث عايش خمس حروب على غزة، وكان شاهدًا على معاناة شعبه وزملائه الصحفيين الذين قدموا أرواحهم فداءً للحقيقة. في هذا الحوار، ينقل لنا شامية واقع العمل الصحفي تحت القصف، أصعب اللحظات التي مر بها، ورسالته للعالم العربي والمجتمع الدولي.
كيف تصف واقع العمل الصحفي في غزة اليوم تحت القصف والحصار؟
واقع العمل الصحفي في قطاع غزة ليس كأي عمل صحفي في العالم. الصحفي في غزة يعمل تحت ضغوط شديدة، سواء من احتياجات أسرته التي يجب تلبيتها، أو متطلبات المؤسسة الإعلامية التي يعمل معها، أو تحديات العمل الأساسية. العمل الصحفي في ظل القصف والحصار والتجويع صعب للغاية، فأنت تعمل تحت النار والضغط النفسي والمادي المستمر.
ما أصعب موقف مررت به أثناء تغطيتك للعدوان الأخير؟
أصعب موقف مررت به كان عندما كنت في مستشفى ناصر مع زملائي الصحفيين. حدث قصف عنيف في منطقة بخان يونس، حيث كانت عائلتي، زوجتي وأولادي، موجودين هناك. كنت بين نارين: هل أترك عملي والخيمة التي نغطي منها الأحداث مع زملائي، أم أذهب للبحث عن عائلتي بين المصابين في المستشفى؟ حاولت الاتصال بهم لكنهم لم يردوا، فانهرت وطلبت من زملائي تغطية مكاني. ذهبت إلى البيت للاطمئنان عليهم، وكانت لحظات صعبة للغاية.
ما الرسالة التي تود توجيهها للصحفيين العرب، وبالأخص المصريين؟
أتمنى من الصحفيين العرب أن يحذوا حذو الصحفيين المصريين والدولة المصرية. منذ وصولنا إلى مصر بعد سبعة أشهر من العدوان المستمر على غزة، وجدنا دعمًا كبيرًا من نقابة الصحفيين المصريين. قدموا لنا بطاقات صحفية وبطاقات تأمين صحي لتسهيل عملنا، خاصة في ظل استهداف الصحفيين. هذا الدعم يعكس التضامن الحقيقي معنا.
كيف تواصلون أداء رسالتكم الصحفية رغم المخاطر؟
رغم الاستهداف المستمر والصعوبات، لا يمكننا ترك العمل الصحفي. الصحفي في غزة هو النافذة الوحيدة التي تُظهر للعالم ما يتعرض له شعبنا. لا يمكن أن نتوقف بسبب المخاطر، لأن مهمتنا هي إيصال الحقيقة وكشف حجم المعاناة التي يعيشها أهل غزة.
ماذا يعني التضامن مع الصحافة الفلسطينية بالنسبة لك؟
التضامن بالنسبة لي ولزملائي القادمين من غزة إلى مصر هو شيء عظيم. يمنحنا دفعة معنوية قوية ويوصل لنا رسالة مفادها: “نحن معكم، نفكر فيكم، ونقف خلفكم”. هذا الدعم يعزز صمودنا ويجعلنا نشعر أننا لسنا وحدنا.
هل التضامن يؤثر فعليًا على الوعي العام وصناعة القرار؟
التضامن يؤثر بالتأكيد على الوعي العام في العالم الخارجي، لكنه يحتاج إلى تعزيز. نحتاج إلى مخاطبة العالم الغربي بلغته، وترجمة خطاباتنا وفعالياتنا وإعلاناتنا إلى لغات يفهمها. هذا سيجعل تأثير التضامن أقوى وأكثر فاعلية في التأثير على صناع القرار.
ما الرسالة التي تريد إيصالها من خلال مشاركتك في هذا المؤتمر؟
الرسالة التي نريد إيصالها اليوم، سواء في المهرجان أو المؤتمر الذي نحضره، هي إبراز حجم المأساة التي يتعرض لها الصحفي الفلسطيني في غزة. نريد من خلال الإخوة في الصحافة المصرية ونقابة الصحفيين المصريين أن نُظهر للعالم صور أطفالنا الذين يعانون من المجاعة، وزملائنا الصحفيين الذين يتعرضون للقتل الممنهج يوميًا. نريد أن نكشف حجم الجرائم التي يتعرض لها شعبنا.
كيف ترى إمكانية بناء جبهة مهنية دولية لحماية الصحفيين في مناطق النزاع؟
بالتعاون مع الصحافة المصرية ونقابة الصحفيين المصريين، هناك جبهة موجودة بالفعل للترويج لما يحدث في غزة. لكننا لا نستطيع مواجهة هذا العدوان بمفردنا. هذا العدوان يتجاوز قدرات أي صحفي أو نقابة بمفردها. نحتاج إلى تظافر جهود الدول العربية والمؤسسات صاحبة القرار لمخاطبة مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، لضمان حماية الصحفيين ووقف الاستهداف الممنهج.
هل تعتقدون أن الاحتلال يستهدف الصحفيين لأنه يخشى الحقيقة أكثر من الصواريخ؟
الاحتلال يستهدف الكاميرا والقلم لأنهم الأقوى الآن في هذا العصر، هم وحدهم القادرون على فضح جرائم الاحتلال، وإلا ما كان لمحكمة الجنائية الدولية أن تصدر قراراتها بحق مجرمي الحرب في الكيان. وهذه سابقة لأول مرة وكانت بفضل الكاميرا والقلم والصحفي الذي قدم حياته وما زال لفضح جرائم الاحتلال.
برأيكم: أيهما أخطر على الاحتلال اليوم.. الكاميرا أم البندقية؟
الاحتلال يخشى من الكاميرا أكثر من الصواريخ طبعًا، فهذا الوقت هو وقت الإعلام والصورة. العالم كله سئم من هذه الدولة التي ليل نهار ترتكب الجرائم، وهذا بفضل الكاميرا لا الأسلحة.
هل لديكم إحصاءات أو وقائع حديثة توثق استهداف الصحفيين في غزة؟
آخر الإحصائيات تقول باستشهاد 248 صحفيًا في غزة وتدمير أكثر من 1500 بيت للصحفيين وتدمير أكثر من 120 مكانًا ومقرًا للعمل الصحفي والمؤسسات الصحفية في غزة.
كيف يمكن للجمهور العادي أن يساند الصحافة الفلسطينية في معركتها؟
الجمهور العادي كان وما زال هو الداعم الرئيسي للصحفي الفلسطيني، والبيت والأسرة والمحيط كله من الجمهور العادي. فلولا الدعم المتواصل منهم ما كان للصحفي أن يستمر في هذا.