استعاد الجنيه المصري بعض قوته مقابل الدولار الأمريكي في الأشهر الأخيرة، بدعم من ارتفاع الاحتياطيات الأجنبية، والتدفقات القوية من السياحة والتحويلات المالية، والتفاؤل المتجدد قبل المراجعات الرئيسية لصندوق النقد الدولي في سبتمبر/أيلول.
بلغ سعر صرف الجنيه المصري ذروته عند 51.7 جنيه للدولار في أبريل/نيسان 2024، ويتداول الآن عند حوالي 48.4 جنيه، وهو تحسن بنحو 6% .
قال البنك المركزي المصري إن قيمة الدولار انخفضت بنحو 6.5 بالمئة منذ مارس آذار، مما يشير إلى تحسن السيولة رغم التوترات الإقليمية وتزايد احتياجات التمويل الخارجي.
الدولار من الذروة إلى التراجع
قال الخبير المصرفي أحمد شوقي لـ”الأهرام أونلاين”، إن ارتفاع سعر الدولار إلى 51.73 جنيه في سبتمبر الماضي “جاء مدفوعا بضغوط متعددة أبرزها زيادة الطلب على الدولار والتوترات السياسية الإقليمية التي دفعت بعض المستثمرين إلى الخروج من الأسواق الناشئة خوفا من تراجع قيمة ممتلكاتهم”.
وأضاف أن اعتماد البنك المركزي لسعر الصرف المرن “كان حاسما في امتصاص الصدمة، مما سمح للعملة بالتحرك في نطاق خمسة في المائة صعودا أو هبوطا”.
وأضاف: “حافظ هذا على ثقة المستثمرين ومنع المزيد من التدهور. وبالفعل، تراجع سعر الدولار الأمريكي إلى 48.37 جنيهًا مصريًا، بانخفاض يقارب 6.5% خلال فترة وجيزة، مما يشير إلى قدرة السوق المتزايدة على امتصاص الصدمات”.
ضغوط صندوق النقد الدولي والفجوات الهيكلية
يشكل سعر الصرف المرن عنصرا أساسيا في تسهيل الصندوق الممتد لمصر بقيمة 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي ، والذي يهدف إلى تحسين المرونة وتعزيز القدرة التنافسية.
منذ عام 2022، خسر الجنيه ما يقرب من نصف قيمته عبر أربع تخفيضات، حيث انخفض من 24.7 إلى 48.4 مقابل الدولار.
لكن مراجعات صندوق النقد الدولي تأخرت. طلبت مصر تأجيل المراجعتين الخامسة والسادسة بعد إخفاقها في استيفاء المعايير، لا سيما فيما يتعلق ببيع الأصول، وهو عنصر أساسي في البرنامج.
ومن المقرر الآن أن يتم دمج المراجعات في سبتمبر/أيلول، مع تخصيص 2.4 مليار دولار من المدفوعات الجديدة.
وقال المحلل المصرفي رمزي الجريم لـ”الأهرام أونلاين” إن التأخير يسلط الضوء على الفجوة بين أهداف الإصلاح وتحقيقها: “على الرغم من الإنجازات في خفض التضخم وتعزيز الاحتياطيات، فإن الاعتماد على التمويل الخارجي يتطلب إصلاحات أعمق”.
قالت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي جولي كوزاك إن القاهرة يجب أن تسرع من وتيرة سياسة ملكية الدولة، وتوسع القاعدة الضريبية، وتقلص البصمة الاقتصادية للدولة.
ثقة الحكومة
قال وزير المالية المصري أحمد كوجك إن مصر تستهدف جمع 3 مليارات دولار من بيع الأصول في السنة المالية الحالية، ارتفاعا من 900 مليون دولار في العام الماضي، بما في ذلك عروض الشركات المملوكة للجيش من خلال صندوق السيادي.
ويتوقع أن تنتهي مراجعات صندوق النقد الدولي المتأخرة في سبتمبر/أيلول أو أكتوبر/تشرين الأول، وهو ما يفتح الباب أمام الحصول على الشريحة التالية.
وأكد الجرم أن نجاح مصر في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ورأس المال الأجنبي إلى الطاقة المتجددة والصناعات الموجهة للتصدير والتعدين سيكون مفتاحا لاستدامة تدفقات العملة الأجنبية.
ضعف الدولار ومناقشة التقليل من قيمته
وأشار إلى أن الظروف العالمية، وخاصة ضعف الدولار تحت ضغط خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، تدعم الجنيه الإسترليني أيضا.
وأضاف الجريم أن “إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خفض أسعار الفائدة قد يضعف الدولار أكثر، وهو ما يصب في مصلحة العملات المحلية، بما في ذلك الجنيه المصري”.
وتقول بعض البنوك الاستثمارية إن الجنيه المصري لا يزال أقل من قيمته الحقيقية بنحو 30 في المائة، وهو ما يشجع المستثمرين الأجانب على الاحتفاظ بنحو 38 مليار دولار من حيازات الديون المصرية.
وأوضح الجيم أن هذه التقييمات شجعت المستثمرين الأجانب على الاحتفاظ بحصصهم في أدوات الدين الحكومية المصرية، والتي تبلغ قيمتها نحو 38 مليار دولار، بدلاً من الخروج من السوق كما فعلوا في عام 2022.
“وقد حال هذا دون وقوع أزمة أخرى في سوق الصرف الأجنبي، في حين ساهم ازدهار عائدات السياحة والاحتياطيات الأجنبية القياسية التي تجاوزت 49 مليار دولار في تعزيز ثقة السوق.”
وأشار شوقي إلى أن تعافي الجنيه لم يكن وليد الصدفة، بل نابع من مجموعة من التطورات الإيجابية.
وبلغت عائدات السياحة 12.5 مليار دولار، وبلغت التحويلات المالية 32.8 مليار دولار، وارتفعت الصادرات إلى ما يقرب من 40 مليار دولار في عام 2024، وكل هذا يضيف إلى التدفقات الوافدة.
وعلى الصعيد النقدي، أشار شوقي إلى أن السياسات النقدية المتشددة للبنك المركزي وارتفاع أسعار الفائدة عززت جاذبية الجنيه أمام المستثمرين الأجانب، في حين طمأنت الاحتياطيات الأجنبية المتزايدة الأسواق وعززت الاستقرار النقدي.
ويتفق شوقي والجريم على أن استقرار الجنيه يعتمد على تجنب الصدمات الجديدة.
ويتوقع شوقي استقرار سعر الدولار في نطاق 48-49 جنيها حتى نهاية العام، في حين توقع الجرم أن يتراجع إلى أقل من 46 جنيها إذا استمرت الاتجاهات الإيجابية.
وبالنظر إلى عام 2026، يحذر كلاهما من أن الدين الخارجي والعجز التجاري لمصر البالغ 155 مليار دولار قد يجددان الضغوط، وإن كان ذلك دون التقلبات الحادة التي شهدتها السنوات الأخيرة.