التاريخ الإنساني ليس سوى سجلّ لصعود كيانات وانهيار أخرى.
شعوب عظيمة ملأت الدنيا علماً وعدلاً أو قسوةً وسطوة، ثم ما لبثت أن صارت آثارها أطلالًا وحروفاً في الكتب.
فكما لم تخلد الإمبراطوريات الإسلامية التي بلغت عنان السماء، كذلك لم ينجُ الهنود الحمر ولا المايا ولا الأنباط من سنّة التداول. إن القاعدة الأزلية تقول: العدل أساس البقاء، والظلم سبيل الفناء.
الممالك والدول الإسلامية التي اختفت
الأمويون (661 – 750م)
أول إمبراطورية إسلامية مترامية الأطراف، وحدت العرب ونشرت الإسلام من الصين حتى الأندلس. لكنها انهارت بفعل الانقسامات الداخلية وصعود العباسيين.
العباسيون (750 – 1258م)
بغداد، حاضرة الدنيا ومدينة العلم، شهدت نهضة فكرية كبرى. لكن ضعف الخلفاء وتدخل الجند مزق الدولة حتى جاء المغول فأسقطوها في كارثة لا تُنسى.
الأدارسة (788 – 974م)
أول دولة إسلامية في المغرب الأقصى، نشرت الإسلام بين قبائل البربر وأرست مدينة فاس. زالت بتنازع أبنائها وضغط الفاطميين.
الأغالبة (800 – 909م)
في تونس والمغرب الأوسط، نشروا الإسلام في صقلية وأوروبا الجنوبية. انتهوا على يد الفاطميين.
المماليك (1250 – 1517م)
أبطال عين جالوت، حماة الشام ومصر من المغول والصليبيين، وبنّاءو القاهرة المعزية. سقطوا أمام العثمانيين.
الأندلس (711 – 1492م)
جوهرة الغرب الإسلامي، ومصدر أنوار العلم والفنون لأوروبا. زالت بالفتن الداخلية وتآمر الممالك المسيحية، فسقطت غرناطة عام 1492.
العثمانيون (1299 – 1924م)
آخر خلافة جامعة للأمة الإسلامية، امتدت ستة قرون. لكن تدخل أوروبا وصعود القوميات أديا إلى تفككها وسقوطها بعد الحرب العالمية الأولى.
ممالك إسلامية أخرى اندثرت
غـانـا الإسلامية في غرب أفريقيا (القرن السادس – الثالث عشر): اشتهرت بتجارة الذهب والملح، سقطت بهجمات المرابطين والتفكك الداخلي.
مالي الإسلامية (1230 – 1600م): بلغت أوجها مع مانسا موسى، لكنها ضعفت وتفتت أمام الغزاة والطموحات المحلية.
سلاجقة الروم في آسيا الصغرى (1077 – 1307م): مهدوا لظهور العثمانيين، لكنهم تآكلوا بفعل الغزو المغولي والانقسامات.
دولة دلهي الإسلامية في الهند (1206 – 1526م): أسست الوجود الإسلامي القوي في شبه القارة، لكنها انهارت أمام الغزو المغولي.
حضارات غير إسلامية ابتلعها التاريخ
حضارة المايا
في أمريكا الوسطى، عرفت الفلك والرياضيات والعمارة المدهشة، وانهارت بسبب الحروب والجفاف ثم أبيدت على يد الإسبان.
حضارة السند (موهينجو دارو – هارابا)
أول حضارة مدنية منظمة في وادي السند، اشتهرت بالتخطيط العمراني. اختفت بسبب تغيرات بيئية وغزوات خارجية.
الأنباط
أصحاب البتراء الوردية في الأردن، برعوا في التجارة والعمارة. زالت دولتهم حين ابتلعها الرومان.
الأولمك
أقدم حضارات أمريكا الوسطى، تميّزت بالتماثيل الحجرية العملاقة، وزالت لأسباب بيئية واجتماعية.
الخمير (كمبوديا)
شيّدوا معابد أنغكور الشهيرة، وامتدت إمبراطوريتهم لقرون، وانهارت بالحروب والمجاعات.
أكسوم (إثيوبيا)
قوة تجارية كبرى على البحر الأحمر، لكنها تراجعت بالعزلة والتحولات المناخية وصعود قوى منافسة.
مأساة الهنود الحمر: الإبادة المنظمة
من أبشع صفحات التاريخ، ما جرى لسكان أمريكا الأصليين بعد وصول الأوروبيين.
الهنود الحمر لم يكونوا مجرد قبائل بدائية كما صُوِّروا، بل شعوب لها حضارات متقدمة كالأزتيك والإنكا والمايا، نظمت الزراعة والعمارة والدين والفنون.
لكن مع قدوم كولومبوس عام 1492، بدأت أكبر عملية إبادة في التاريخ:
جُلبت الأمراض الأوروبية كالجدري والحصبة ففتكت بالملايين.
استُخدمت سياسة الأرض المحروقة، والحصار، والمذابح الجماعية.
طُردت القبائل من أراضيها الخصبة إلى “المحميات” الجرداء.
خلال قرنين فقط، انخفض عدد السكان الأصليين من عشرات الملايين إلى مئات الآلاف.
كتب المؤرخون أن الأوروبيين لم يكتفوا بالاستيلاء على الأرض، بل سعوا لمحو الثقافة والدين واللغة، في عملية “إبادة حضارية” شاملة.
إنها وصمة عار على جبين “الحضارة الغربية” التي تغنّت بالحرية بينما مارست أبشع أشكال الاستعباد والقتل.
سواء كانت دولًا إسلامية في المشرق والمغرب، أو حضارات إنسانية في آسيا وأفريقيا وأمريكا، فإن مصائرها واحدة حين تفقد مقومات البقاء:
الانقسام الداخلي.
الظلم وغياب العدل.
الغزو الخارجي.
التغيرات البيئية والاقتصادية.
إن التاريخ يثبت أن العدل هو صمام الأمان، وأن القوة بلا أخلاق زائلة، وأن الحضارات الحقيقية لا تُمحى إلا إذا تخلت عن قيمها.
قد تختفي الدول من الخرائط، وتندثر الحضارات من فوق الأرض، لكن أثرها يبقى شاهدًا لا يموت. فالأندلس لا تزال حاضرة في ذاكرة إسبانيا، والأنباط في البتراء، والمايا في معابدهم الغامضة، والهنود الحمر في مأساتهم المروّعة.
إن الأمم تتعاقب، لكن الدرس واحد: لا بقاء بلا عدل، ولا مجد بلا وحدة، ولا حضارة بلا إنسانية.