يُعد النزاع المستمر بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا من أكثر الصراعات تعقيدًا في القارة الإفريقية، حيث يمتزج فيه البُعد الإقليمي بالتوترات العرقية والاقتصادية، مما ينعكس سلبًا على المدنيين، بما في ذلك الأقلية المسلمة في البلدين.
تعود جذور النزاع إلى الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، حيث فرّ ملايين من الهوتو إلى شرق الكونغو، بينهم عناصر متطرفة أعادوا تشكيل ميليشيات مثل “الجبهة الديمقراطية لتحرير رواندا” (FDLR).
في المقابل، دعمت رواندا حركات متمردة من التوتسي، مثل “إم 23″، في محاولة لتأمين حدودها الشمالية وتعزيز نفوذها الإقليمي.
بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر الصراع على الموارد الطبيعية، مثل المعادن الثمينة، من العوامل الاقتصادية التي تُغذي النزاع، حيث يسعى العديد من الأطراف للسيطرة على هذه الموارد لتحقيق مكاسب مالية.
تأثير النزاع على الأقلية المسلمة
يشكل المسلمون أقلية في كل من الكونغو الديمقراطية ورواندا، حيث يُقدّر عددهم في الكونغو بحوالي 10% من السكان، بينما يُعتبرون أقلية صغيرة في رواندا.
تُظهر التقارير أن المسلمين في شرق الكونغو، خاصة في مناطق مثل غوما، يعانون من التهميش والتمييز، حيث يتعرضون لاعتداءات من قبل ميليشيات محلية، بما في ذلك “القوات الديمقراطية المتحالفة” (ADF) المرتبطة بتنظيم داعش.
في رواندا، يُلاحظ أن المسلمين غالبًا ما يُستبعدون من المناصب الحكومية والفرص الاقتصادية، مما يزيد من معاناتهم في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية الصعبة.
تحليل الخبراء
يشير الخبراء إلى أن الصراع بين الكونغو الديمقراطية ورواندا ليس صراعًا دينيًا بحتًا، بل هو مزيج من:
صراع عرقي وإقليمي: تتنافس مجموعات التوتسي والهوتو على النفوذ والسلطة، مما يُعقّد الوضع الأمني.
صراع اقتصادي: التحكم في الموارد الطبيعية يُعد من العوامل الرئيسية التي تُغذي النزاع.
صراع أيديولوجي: تُستخدم الهويات العرقية والدينية كأدوات لتعبئة الجماهير وتعزيز الولاءات السياسية.
لذلك، يُمكن القول إن الصراع هو مزيج من الأبعاد العرقية والسياسية والاقتصادية، مع وجود تأثيرات دينية تُزيد من تعقيد الوضع.
جهود السلام والتحديات المستقبلية
في يونيو 2025، تم توقيع اتفاقية سلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا بوساطة أمريكية وقطرية، مما يُعطي أملًا في إنهاء الصراع المستمر منذ ثلاثة عقود. ومع ذلك، تبقى التحديات قائمة، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ الاتفاقية على الأرض وضمان حقوق الأقليات، بما في ذلك المسلمين.
باختصار الصراع بين الكونغو الديمقراطية ورواندا هو نزاع معقد يتداخل فيه التاريخ العرقي، المصالح السياسية، الاقتصاد، والدين. بينما يُعاني المسلمون من التهميش والتمييز في كلا البلدين، فإن الحلول المستقبلية تتطلب جهودًا متكاملة تشمل:
أولا: تعزيز الحوار بين المجموعات العرقية والدينية: لبناء الثقة والتفاهم المتبادل.
ثانيا: ضمان حقوق الأقليات: من خلال تشريعات تحمي حقوقهم السياسية والاقتصادية.
ثالثا: التعاون الإقليمي والدولي: لتوفير الدعم اللازم لتحقيق الاستقرار والتنمية.
رابعا: فقط من خلال هذه الجهود المتكاملة يُمكن تحقيق السلام المستدام في المنطقة.
تحليل مجموعة الأزمات الدولية: تُشير المجموعة إلى أن الاتفاق الأخير بين الكونغو الديمقراطية ورواندا يُعتبر خطوة إيجابية نحو إنهاء الصراع، لكنها تحذر من أن تنفيذ الاتفاق سيواجه تحديات كبيرة على الأرض، خاصة في ظل وجود ميليشيات مسلحة مثل M23 وFDLR.
تحليل مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية: يرى المركز أن الأزمة في شرق الكونغو تُهدد بتوسيع نطاق الصراع ليشمل دولًا مجاورة، مما يستدعي استجابة أفريقية منسقة وفعّالة.
المنظمات الحقوقية
هيومن رايتس ووتش: في تقرير صدر في أغسطس 2025، اتهمت المنظمة ميليشيات M23 المدعومة من رواندا بارتكاب مجزرة راح ضحيتها أكثر من 140 مدنيًا في شرق الكونغو.
منظمة العفو الدولية: دعت إلى محاسبة جميع الأطراف المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك M23 وميليشيات الكونغو، وطالبت المجتمع الدولي بتقديم الدعم اللازم للضحايا.
ردود الأفعال الدولية
الولايات المتحدة: رغم رعايتها للاتفاق بين الكونغو ورواندا، إلا أن التقارير الأخيرة عن المجازر أثارت انتقادات داخلية، حيث دعت بعض الأصوات إلى فرض عقوبات على الأطراف المتورطة.
الاتحاد الأوروبي: أعرب عن قلقه العميق من استمرار العنف في شرق الكونغو، ودعا إلى تنفيذ فوري للاتفاقات الموقعة، مع التأكيد على ضرورة حماية المدنيين.
ردود الأفعال الأفريقية
الاتحاد الأفريقي: عقد المجلس الوزاري للاتحاد اجتماعًا طارئًا في يناير 2025 لمناقشة التصعيد في شرق الكونغو، وأكد على ضرورة تنفيذ اتفاقيات لواندا ونيروبي لحل الأزمة.
منظمة تنمية شرق أفريقيا (IGAD): دعت إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء لمكافحة الجماعات المسلحة العابرة للحدود، مثل M23 وADF، وتقديم الدعم للجهود الإنسانية في المنطقة.
المنظمات الإسلامية
منظمة التعاون الإسلامي: أعربت عن قلقها البالغ من تدهور الأوضاع الإنسانية في شرق الكونغو، وأكدت على ضرورة تقديم الدعم للمدنيين، خاصة المسلمين، الذين يعانون من النزاع.
الهيئات الإسلامية المحلية: في الكونغو الديمقراطية، تُواصل المنظمات الإسلامية تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين، وتدعو إلى تعزيز الحوار بين المجتمعات المختلفة لتحقيق السلام المستدام.