بقلوب مؤمنة، وأفئدة لله مسلمة، أنعى إليكم شيخنا ومجيزنا محدث مكة وراوية الشرق ومدرس المسجد الحرام فضيلة الشيخ عبد الوكيل بن عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي، الذي غادر دنيانا عن تسعين عاما هجريًّا (1375-1447هـ) قضاها في رواية سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، والتحديث بها وعقد، مجالس شرحها وروايتها، وتحقيقها وخدمتها والتأليف عنها.
وقد أجازني فضيلته عام 2008م بدولة الكويت في مجلس لصحيح مسلم أقامته وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، ولا أنسى آخر حلقة في هذا المجلس؛ حيث دمعت عيوننا وفاضت على خدودنا؛ تأثرًا بحديث رسولنا، وختْم صحيح مسلم: «الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسننه وأيامه»، وحضرنا له لاحقا مجالس أخرى.
أبوه هو الشيخ عبد الحق 1302-1392هـ، (أبو محمد عبد الحق بن عبد الواحد بن محمد بن الهاشم بن بلال الهاشمي العمري يتصل نسبه بسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو جده الثاني والأربعين). عاش تسعين سنة أيضا، نشأ في حجر والديه وقرأ على والده القرآن الكريم وأخذ منه اللغة الفارسية ودرس عليه النحو والصرف ثم خرج لطلب العلم الشريف في القرى والبلدان فأخذ عن جملة من المشايخ المهرة رحمهم الله أجمعين، وكان مدرساً بالمسجد الحرام، ومدرساً بالهند حتى قدومه إلى مكة المكرمة عام 1367هـ، ومدرساً بدار الحديث من عام 1370 إلى 1392هـ، وله مؤلفات كثيرة عن السنة النبوية.
قال رحمه الله – أعني الشيخ عبد الحق والد فقيدنا – في كتابه “هذه عقيدتي”: “ومما أنعم الله عليَّ في زمان طَلَب الحديث أني رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنام، وقد مرَّ بين يديّ، وعليه لباسٌ أبيض، وكأن القمر يجري في وجهه. ورأيتُه أيضًا في المنام كأنه نزل على كرسي من السماء في لباسٍ حَسَن فعانقني. ورأيتُ أيضًا في المنام أني حملتُ جنازته على رأسي ورجلٌ آخر، وأنا حاملٌ من جهة رأسه الكريم، وهو حاملٌ من جهة رجليه، وأنا أخوض في الماء في هذه الحالة، فألقي في رُوْعي في المنام أنّي أُحْيي سنّتَه الميتاء. ورأيتُ أيضًا في المنام أني دخلت في الحجرة النبوية وبين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ديوان كبير، فسألتُه عن اسم صحابي، فقال لي: انظر في هذا الديوان. فرأيت اسمه مكتوبًا فيه. وأيضًا رأت أُمّي النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنام أنه دخل بيتَنا، ودعاني، فذهبتُ إليه، وفي يدي القَلَم والدَّواة، فصار يُمْلي عليّ وأنا أكتب، ثم تَقَرَّبَتْ منّا، فقام عليه السلام، فقُمتُ معه، ثم دَخَلْنا في بيت آخر، فجعل يُمْلي عليّ .. وما ذكرت هذه الرؤى ترفُّعًا وافتخارًا وتكبّرًا واغترارًا، بل ذكرتُها إظهارًا لِـمِنَّة ربي على عبده الضعيف، وشُكرًا لنعمته سبحانه وتعالى، والله على ما أقول شهيد، وهو حسيـبي”.

والشيخ عبد الحق والد فقيدنا له إخوة (أعمام الفقيد) كانوا مشتغلين بالحديث أيضا، منهم: جعفر بن عبد الواحد الهاشمي.
أما جده فهو الشيخ عبد الواحد الهاشمي، أحد أعلام الحديث في الهند، وله تحقيقات ومؤلفات عن السنة النبوية، وكانت بدايات تعلم فقيدنا للسنة وعلومها على يد جده هذا.
فهي عائلة ورثت العمل في خدمة الحديث النبوي والسنة النبوية أبًا عن جد، وكابرًا عن كابر، والحمد لله الذي شرفنا بالتلقي عن الفقيد الكبير فضيلة الشيخ عبد الوكيل.
سأنقل لكم طرفا من سيرته الزكية ومسيرته السنية، بقلم ابنه خالد بن عبد الوكيل بن عبد الحق الهاشمي؛ إذ يقول:
النشأة وبداية طلب العلم:
ولد عام 1357هــ (1938م) كانت بداية تعليمه على يد جده الشيخ عبد الواحد رحمه الله، ثم التحق بإحدى المدارس الحكومية، ثم التحق بمدرسة دار الحديث المحمَّدية ببلدة جلال بور وتعلم على يد الشيخ سلطان محمود، وهو أكبر تلامذة والده ومكث فيها أربع سنوات، حتى تم ترحيل أسرة والده إلى الحجاز حيث كان والده بمكة المكرمة.
التحق بمدرسة تحفيظ القران بمكة حتى تخرج فيها، ثم التحق بمدرسة دار الحديث في دار الأرقم في أصل الصفا، ثم أكمل تعليمه على يد والده في المسجد الحرام.
مشايخه:
ومن أساتذته الذين حصل منهم إجازة الرواية:
– والده الشيخ عبد الحق الهاشمي.
– والشيخ عبيد الله الرحماني تلميذ صاحب تحفة الأحوذي.
– والشيخ عبد السلام بستوي مدير مدرسة دار الحديث.
– والشيخ سلطان محمود.
– والشيخ شمس الحق ابن الشيخ عبد الحق تلميذ السيد نذير حسين الدهلوي.
– والشيخ الحافظ محمد عبد الله بدهي مالوي شيخ الحديث.
ومن أساتذته الذين قرأ عليهم فقط:
– الشيخ تقي الدين الهلالي قرأ عليه حديثا واحدا من سنن الترمذي في دار سماحة الشيخ عبد الله بن حميد.
– والشيخ محمد عبد الرزاق حمزة قرأ عليه مجلدين أو ثلاثة من البداية والنهاية.
– والشيخ أحمد شاكر قرأ عليه حديثا واحدا من سنن الترمذي.
– والشيخ ناصر الدين الألباني، قرأ عليه عدة أحاديث في المدينة المنورة.
هذا وللشيخ تسعة أولاد: ثلاثة من الذكور، وستة من الإناث.

مؤلفاته:
من مصنفاته:
(1) عناية الباري في ضبط مواضع أسماء الرجال في صحيح البخاري.
(2) مفتاح القاري في عد أسماء الكتب والأبواب، والرواة، والمعلقات، والمتابعات من صحيح البخاري.
(3) عناية الوهاب لمن أخرج لهم البخاري أو استشهد به أو له ذكر من الأصحاب.
(4) إنعام الباري في معجم أحاديث شيوخ البخاري.
(5) مسند القز ويني هذب سنن ابن ماجة ورتبه على ترتيب المسند.
(6) الحطة في معجم أحاديث الشيوخ الأئمة الستة.
(7) البحر الزاخر فيما روى الإمام البخاري في جامعه من شيخه بواسطة شيخه الآخر.
(فتح الواحد فيما روى الإمام البخاري في جامعه عن شيخين في حديث واحد.
(9) التعداد فيمن خضب لحيته من الصحابة وأئمة الحديث بالحناء والكتم والصفرة والسواد.
(10) أربعين أثرًا للسعادة من عمل بهن خرج من ذنوبه كيوم الولادة.
(11) البطشة الكبري في غزوة بدر الكبرى.
(12) تحقيق الأحاديث المنسوبة إلى الإمام الذهلى في البخاري وأسئلة والأجوبة.
(13) دعاء المضطرين من البشر ومناجاتهم في وقت السحر.
(14) يا أهل الفرش لذوا بأسماء ذي العرش.
(15) القول الصحيح فيما فات من ابن عدي. وابن عساكر. وابن مندة. والصاغاني وما زادوا في كتبهم من أسماء المشايخ الإمام البخاري في جامعه الصحيح.
(16) بدائع المنن في أسامي شيوخ الشيخ وأصحاب السنن.
(17) مختصر عناية الباري.
(18) أقوال المحدثين وجمهور الفقهاء على أن يغسل الزوج زوجته بعد موتها.
أدعو الله – تعالت قدرته وتجلت أسماؤه – أن يتجلى عليه بآثار أسمائه الحسنى وصفاته العلا في قبره: واسعًا منيرًا، وأن يحشره مع العلماء العاملين والدعاة الصادقين الربانيين، وأن يُخلف الأمة والسنة النبوية فيه خيرا، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: “إنا لله وإنا إليه راجعون”
د. وصفي عاشور أبو زيد