انتقلت قبل خمس سنوات من السعودية إلى الأردن -بعدما أقمت فيها أربعاً وأربعين سنة- فنقلت معي أثاث بيتي ومكتبتي، ولأن الكتب كثيرة (وقد ملأت نحو مئة كرتونة) فقد حُجزت في الجمارك ريثما تُعرض على دائرة المطبوعات، واستغرق إنهاء الإجراءات أسبوعين كانا من أثقل الأيام على نفسي خشيةَ أن أفقد شيئاً من كتبي، وما همَّني في الشحنة كلها أثاثٌ ولا أجهزةٌ كهربائية ولا سَجّادٌ ولا سواه من متاع البيت، ما همَّني سوى أن تصل كتبي بسلام.
وكيف لا تكون هذه الكتب عزيزة على نفسي وقد قضيت في جمعها أكثر من نصف قرن؟ فقد بدأت بشراء الكتب وأنا في أواخر المرحلة الابتدائية فكنت أنفق في شرائها معظم مصروفي ولا أبالي، ثم مضيت على ذلك بقية عمري فاشتريت كتبي من مكتبات دمشق وبيروت وعمّان والقاهرة وجدة والرياض ولندن ونيويورك وغيرها من البلدان، لأن المكتبات ومعارض الكتب هي مقصدي الأول في كل بلد زرته أو عشت فيه.
وفي هذه الكتب ما لا يمكن تعويضه لو ضاع لا قدّر الله، لذلك أحرص عليها أكثر من حرصي على سائر المقتنيات. ولست استثناءً في هذه المشاعر وهذا الحرص، بل إن تلك هي السمة التي تجمع أصحابَ الكتب جميعاً في رباط معنوي واحد، وإذن فلا بد أن يشعر أيُّ صاحب كتب بمثل ما شعرت به من أسى حينما فقدت قبل يومين بعض كتبي بسبب تسرب ماء المكيف الذي كانت إحدى خزائن الكتب تحته، فأصاب الضررُ كتباً اقتنيتها من خمسين سنة وأربعين، منها ما يمكن تعويضه لأنه ما يزال يصدر في طبعات جديدة، ومنها النادر الذي انقطعت طباعته من عشرات السنين.
ولقد حمدت الله كثيراً إذ وفقني إلى إدراك المشكلة في أولها فاقتصر الضرر على حِمل ثلاثة أرفف من الكتب، ولو تأخرت في كشفها لفقدت منها ملء خزانتين. وكان يجدر بي -بعد حمد الله على لطفه- أن أحتفظ بأساي في قلبي ولا أشارك به أحداً من الناس، ولكني أحببت أن يستفيد غيري من مشكلتي فلا يرتكب هذا الخطأ، فإنّ وضع المكيفات فوق خزائن الكتب خطر معجَّل أو مؤجَّل، فمَن كان حريصاً على كتبه (والكتب من أثمن مقتنيات الإنسان) فليأخذ حذره ويبعدها عن أيّ مصدر محتمَل من مصادر الخطر. حماكم الله.