يُعَدّ كتاب التطهير العرقي في فلسطين للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابِه من أخطر الدراسات التي هزّت السردية الصهيونية التقليدية حول نشأة إسرائيل عام 1948.
فالكاتب، وهو أكاديمي مرموق وأستاذ سابق في جامعة حيفا قبل أن يُجبر على مغادرتها بسبب مواقفه، يكشف بجرأة أن قيام الدولة العبرية لم يكن ثمرة “حرب استقلال” كما يروَّج، بل نتاج خطة مدروسة للتطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني.
الكتاب، الصادر عام 2006، يعتمد على أرشيف الجيش الإسرائيلي نفسه، ليثبت أن ما جرى عام 1948 لم يكن فوضى حرب، بل عملية منظمة لإفراغ الأرض من أهلها الأصليين. ويعرض بالتفصيل ما عُرف بـ “الخطة د” (Plan Dalet) التي وضعتها القيادة الصهيونية بقيادة بن غوريون لإخلاء القرى والمدن الفلسطينية وتدميرها ومنع عودة سكانها. وبحسب المؤلف، تجسد هذه الخطة مفهوم “التطهير العرقي” في أوضح صوره، إذ ارتُكبت خلالها مذابح، وتهجير قسري، واغتصاب، وهدم شامل لأكثر من 500 قرية فلسطينية.
أهم الفصول والمحاور
الجذور التاريخية للفكرة الصهيونية التي قامت على أسطورة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.
الخطة دالت بوصفها حجر الزاوية في التهجير الجماعي.
المجازر والتهجير في دير ياسين، الطنطوره، اللد، والرملة.
طمس الذاكرة الفلسطينية عبر محو القرى وبناء مستوطنات مكانها.
النكبة المستمرة التي يصفها بابِه بأنها ليست حدثاً تاريخياً من الماضي، بل عملية متواصلة حتى اليوم.
أبرز المقولات
“ما حدث عام 1948 لم يكن حربًا أهلية بين عرب ويهود، بل عملية تطهير عرقي مخططة بعناية.”
“النكبة ليست حدثًا من الماضي، بل عملية متواصلة.”
“أوروبا دفعت ثمن المحرقة على حساب الشعب الفلسطيني.”
أهمية الكتاب
شهادة نادرة من مؤرخ إسرائيلي، ما يمنحها وزناً مضاعفاً في مواجهة الدعاية الرسمية.
يعيد الاعتبار للذاكرة الفلسطينية المقموعَة، ويوثق بالأدلة جريمة ما زالت قائمة.
مرجع أساسي لحركات التضامن العالمية مع فلسطين، وركيزة قانونية للمطالبة بحق العودة.
المؤلف: إيلان بابِه
وُلد في حيفا عام 1954 لعائلة يهودية ألمانية هاربة من النازية. يُعَدّ من أبرز “المؤرخين الجدد” الذين أعادوا قراءة تاريخ 1948 بنظرة نقدية. عمل أستاذاً للتاريخ في جامعة حيفا، لكنه تعرض لحملة اضطهاد دفعتْه لمغادرة إسرائيل إلى بريطانيا، حيث يشغل اليوم منصب أستاذ التاريخ ومدير “مركز الدراسات الفلسطينية” في جامعة إكستر. من أبرز كتبه: عشر خرافات عن إسرائيل، الفصل العنصري في الأراضي المقدسة، تاريخ فلسطين الحديث.
البعد السياسي والفكري
لا يقف الكتاب عند حدود السرد التاريخي، بل يقدّم إدانة أخلاقية وقانونية لإسرائيل باعتبارها قامت على جريمة ضد الإنسانية. وقد أثار غضب اللوبيات الصهيونية، لكنه تحول إلى مرجع عالمي لا غنى عنه، وأداة فكرية وسياسية لمناصرة الحق الفلسطيني وكشف زيف الدعاية الإسرائيلية.
الكتب العربية والفلسطينية المشابهة
قبل إيلان بابِه، تصدى عدد من المؤرخين والمفكرين العرب والفلسطينيين لفضح النكبة وكشف أبعادها:
قسطنطين زريق في كتابه الشهير معنى النكبة (1948)، الذي كان من أوائل من صاغ مصطلح “النكبة” واعتبرها جرحاً مفتوحاً في الوعي العربي.
عارف العارف في موسوعته نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود، حيث قدّم رواية فلسطينية شاملة للأحداث والمجازر.
أكرم زعيتر في وثائق المقاومة الفلسطينية، الذي جمع الشهادات والوثائق عن الهجرة والتهجير.
عبد الوهاب الكيالي في تاريخ فلسطين الحديث، الذي وضع الأسس لتوثيق المرحلة تاريخياً.
لكن أهمية كتاب بابِه أنه جاء من مؤرخ إسرائيلي، استخدم الأرشيف الرسمي الإسرائيلي ذاته، فهدم الرواية الصهيونية من الداخل، بينما أكمل ما بدأه المؤرخون العرب والفلسطينيون من الخارج. وهنا يلتقي صوت “الضحية” مع شهادة “الشاهد من البيت الصهيوني”.
التطهير العرقي
إن التطهير العرقي في فلسطين ليس مجرد كتاب تاريخي، بل شهادة دامغة كتبها مؤرخ من قلب المؤسسة الإسرائيلية نفسها، فهدم بها جدار الصمت وأعاد للقضية الفلسطينية بعدها الإنساني العميق. وهو امتداد متكامل لما خطّه مؤرخون عرب وفلسطينيون منذ النكبة، ليؤكد أن الحقيقة لا تموت مهما حاولت القوة طمسها. إنه صرخة في وجه العالم: هل يمكن للبشرية أن تستمر في تجاهل جريمة بدأت عام 1948 وما زالت تتجدد كل يوم؟