مثل الهجوم الذي شنّه جماعة “نصرة الاسلام والمسلمين” على بلدة فارابوغو في الأيام القليلة الماضية تحولاً مأساوياً جديداً في معاناة سكان هذه المنطقة، حيث سيطر مقاتلو -جماعة نصرة الإسلام والمسلمين- التابعة للقاعدة على معسكر الجيش المالي وأخضعوا البلدة مرة أخرى لحكمهم الصارم المستند إلى ما يقولون أنّه الشريعة الإسلامية.
وقد بدأ الهجوم بحسب تغريدة للباحث الموريتاني المتخصص في الشئون الإفريقي سلطان البان علي منصة “إكس ” في ساعات الصباح الأولى على أطراف معسكر الجيش المالي شمال غرب فارابوغو.
وبدأ الاستهداف الدموي عبر توافد عشرات الدراجات النارية والسيارات الصغيرة لمقاتلي المجموعة المتشددة، الذين حاصروا الجنود وشنوا هجوماً كثيفاً جعلهم يفقدون السيطرة بسرعة أمام التفوق العددي والعتاد للجهاديين.

وعلي إثر ذلك، استولى المهاجمون على المعسكر ونهبوا مستودعات السلاح، ما دفع الأهالي للفرار نحو القرى المجاورة مثل دوغوفري وسوكولو، وتركوا وراءهم بلدة خاوية.
بعد عشرة أيام من الهجوم بقي مقاتلو المجموعة المتطرفة في البلدة وفرضوا قوانينهم المتمثلة في عدد من لبنود منها ، مطالبة السكان الذين عادوا بالتوقيع على وثيقة تعترف بشرعية حكم الجماعة للمنطقة بحسب تشريعاتهم الاسلامية. إلزام السكان بدفع الزكاة، منع الكحول والتدخين، منع الموسيقى، وفرض الحجاب ووصاية الذكر للنساء في التنقل وغيرها من الآداب الإسلامية ..
وفي هذا السياق انتشرت تهديدات لمن غادروا القرية بمتابعتهم حتى خارج مالي إذا لم “يتوبوا” ويلتزموا قوانين الجماعة حسب مقطع فيديو دعائي تم بثه لاحقًا في مسعي لدفع هؤلاء للعودة وإعلان ولائهم للقاعدة وفرعها المحلي ..
سبق أن خضعت فارابوغو للحصار الجهادي عام 2019، تخلله وساطة قادت لاتفاق مؤقت تم خرقه مراراً في الأعوام التالية.
ومن المهم الإشارة هنا إلي أنه وصول المجلس العسكري بقيادة غويتا لم يفضِ لاستقرار دائم؛ إذ تكررت الهجمات وارتفعت وتيرتها بعد سقوط الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في 2020.
توالى فشل محاولات الجيش لاستعادة السيطرة الكاملة، مع تكرار الهجمات والجولات التفاوضية والقدرة المحدودة على ضمان الأمن في البلدة.
الخسائر والمكاسب العسكرية
من جانبها أعلنت الجماعة الجهادية مقتل 21 جندي مالي وأسر عدة آخرين، وقد ظهر خمسة منهم في شريط فيديو يعرّفون بأنفسهم ويؤكدون استعداد الجهاديين لمبادلتهم بأسرى.
وحصلت المجموعة على كميات كبيرة من الأسلحة، من بينها 15 مركبة، 14 رشاش ثقيل، 2 هاون، 2 مدفع ذاتي الحركة، 3 قاذفات صاروخية، 35 كلاشنيكوف ومئات الطلقات.
ولا شك أن هذه الغنائم ستدعم استمرار العمليات المسلحة ضد الجيش المالي والقوات الروسية الداعمة له بل تؤشر لاستمرار الصراع المسلح بين هذه الأطراف (Africa Corps).

ولا يغيب هنا التأكيد علي أغلب سكان فارابوغو هُجّروا مجدداً، بينما عاد البعض مضطرين للعيش تحت التهديد وتطبيق صارم لقوانين الجماعة الجهادية.
علي الصعيد العسكري الرسمي لم ينجح الجيش المالي في إعادة سيطرته على المعسكر حتى بعد مضي أكثر من عشرة أيام على الهجوم، مما يؤشر لاستمرار الأزمة وسيطرة الجهاديين على واحدة من أهم القواعد العسكرية في إقليم سيغو.
ولا شك هنا أن هذه الحادثة تعكس هشاشة الوضع الأمني والتحديات البنيوية التي تواجه الحكومة المالية في بسط سيادتها على المناطق الريفية في مواجهة تمدد الجماعات المسلحة
كان مسلحون ينتمون لتنظيم القاعدة قد شنوا هجومين متزامنين استهدفا مواقع عسكرية وسط مالي وفي محيط العاصمة باماكو، وفق ما أفادت به مصادر محلية وعسكرية، في ظل غياب أي إعلان رسمي بشأن حصيلة الضحايا والخسائر.