تحت قيظ الشمس الحارقة وفي ظل صمت العالم الغاشم، تتحول الحياة في الفاشر بالسودان إلى كابوس يومي.
أنين الجوعى يملأ الأجواء، وعيون الأطفال تتساءل ببراءة: لماذا حُرمت من لقمة العيش؟ أمهات يقتسمن آخر حبة ذرة مع أطفالهن، وآباء يبيعون هيبتهم للحصول على وجبة واحدة.
هنا حيث تحولت البيوت إلى سجون مفتوحة، والأفنية إلى مقابر للأحلام، يصارع الإنسان الموت بلقمة خبز يصنعها من تراب الأرض وندى الدموع. هذه هي الفاشر.. حيث يموت الأمل بصمت، ويولد الصمود من رحم المعاناة.
منذ العاشر من يونيو 2024، تفرض قوات الدعم السريع حصاراً شاملاً على المدينة، معزولة مئات الآلاف من المدنيين عن العالم الخارجي. أُغلقت الطرق بالكامل، وتوقفت الإمدادات الغذائية، ومنعت المساعدات الإنسانية، في إستراتيجية واضحة لاستخدام التجويع كسلاح لإجبار السكان على النزوح.
ثورة الزراعة المنزلية
في مواجهة هذا الحصار، تحولت الأفنية المنزلية إلى حقول صغيرة للبقاء. يقول أبو بكر أحمد إمام، المتحدث باسم المقاومة الشعبية: “لم تكن الزراعة هواية، بل وسيلة مقاومة في وجه الحصار”. انتشرت هذه الظاهرة في أحياء مثل الدرجة الأولى وامتداد حي أبو شوك، حيث حوّل السكان الأفنية الداخلية والمنازل المهجورة إلى مساحات خضراء.
محاصيل البقاء على قيد الحياة
يعتمد المزارعون على محاصيل بسيطة كالبامية والذرة والملوخية والفول، مستخدمين مياه الأمطار والأسمدة العضوية من مخلفات الحيوانات. تقول، إحدى النازحات: “نزرع حيثما نجد أرضاً صالحة، حتى لو كانت مهجورة أو مهددة بالانهيار”.
بدائل غذائية في زمن الحصار
إلى جانب الزراعة المنزلية، يعتمد السكان على بدائل محدودة:
– التكايا المحلية التي تقدم وجبات جماعية مجانية
– الثروة الحيوانية المحدودة التي جلبت من مخيم زمزم
– نبتة التملكية البرية التي تنمو في فصل الخريف
– علف الحيوانات “الأمباز” الذي أصبح بديلاً غذائياً بعد غليه وخلطه مع الذرة
واقع مرير وتحديات جسام
يواجه السكان تحديات كبيرة في محاولاتهم للبقاء. حيث انعدم ملح الطعام تماماً، لكنهم يحاولون التكيف.و المياه شحيحة، والأسمدة غير متوفرة، والأمراض تنتشر بسبب سوء التغذية. والإنتاج بالكاد يكفي للاستهلاك اليومي دون أي فائض للتخزين.
نداء استغاثة
رغم صمود السكان وإبداعهم في مواجهة الجوع، فإن الوضع يتجه نحو كارثة إنسانية. المنظمات الدولية عاجزة عن الوصول إلى المدينة، والزراعة المنزلية ليست حلاً دائماً. كما يقول أحد السكان: “نزرع لنعيش يوماً بيوم، لكننا لا نعرف ماذا سيحدث غداً”.
موقف الأمم المتحدة من الأزمة الإنسانية في الفاشر:
1. الإدانة الرسمية:
أصدرت الأمم المتحدة بيانات متعددة تدين فيها الحصار المفروض على الفاشر، ووصفته بأنه “انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي”. كما حذرت من أن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى “مجاعة جماعية”.
2. محاولات التفاوض:
تعمل المنظمة الدولية عبر مبعوثها الخاص بالسودان على الضغط على أطراف النزاع لفتح ممرات إنسانية، لكن هذه الجهود تواجه عقبات أمنية وسياسية كبيرة.
3. تقارير مروعة:
نشرت وكالات الأمم المتحدة تقارير صادمة عن:
– وصول سوء التغذية الحاد إلى 65% بين الأطفال
– نفاد الأدوية الأساسية بنسبة 90%
– نزوح أكثر من 300 ألف شخص إضافي منذ بداية الحصار
4. عجز ميداني:
تعترف المنظمة بأن قدرتها على الاستجابة محدودة بسبب:
– رفض قوات الدعم السريع منح تصاريح للوصول
– استهداف المخازن والمستودعات الإنسانية
– انعدام الأمن في طرق الإمداد
5. تحذيرات متصاعدة:
حذر مارتن غريفيث، منسق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، من أن “الفاشر تشهد واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث”، داعياً المجتمع الدولي إلى “تحرك عاجل قبل فوات الأوان”.
6. تمويل غير كاف:
تبنت الأمم المتحدة نداءً لتوفير 2.6 مليار دولار للاستجابة لأزمة السودان، لكن لم يتم تمويل سوى 30% من هذا المبلغ حتى الآن.
المصدر: مواقع إخبارية- وكالات