قبل 24 سنة، استيقظ العالم على صورٍ مرعبة لم يسبق للإعلام أن ضخّمها بتلك الطريقة: برجان ينهاران في نيويورك،
طائرات مدنية تخترق السماء وتصطدم بالرموز الاقتصادية والعسكرية الأمريكية،
وحرائق تلتهم القلب المالي للعالم.
يومها بدا المشهد وكأنه مقتطع من فيلم هوليوودي طويل، أُخرج بعناية فائقة، وسُوِّق للعالم على أنه اليوم الذي تغيَّر فيه التاريخ.
ومنذ تلك اللحظة، تحوّلت “11 سبتمبر” من حادثة إلى ذريعة، ومن واقعة إلى شريعة سياسية فرضتها واشنطن على الكرة الأرضية، معلنةً حربًا بلا حدود على الإسلام والمسلمين.
لغز لم يُحلّ
بعد مرور 24 عامًا، ما زالت الأسئلة معلّقة بلا إجابة شافية:
كيف نجحت مجموعة صغيرة من الشباب في اختراق أقوى منظومة أمنية وعسكرية على وجه الأرض؟
لماذا غابت الطائرات الحربية الأمريكية عن المشهد حتى بعد ساعات من الهجوم؟
كيف انهارت ثلاثة مبانٍ (وليس برجين فقط) بالكيفية ذاتها، وكأنها عمليات هدم هندسيٍّ متقن؟
ولماذا اختفت تسجيلات كاميرات البنتاجون، ولم يُفرج عن صور الاصطدام المزعوم إلا بقدرٍ محدود لا يقنع حتى المتعاطفين مع الرواية الرسمية؟
كل هذه الأسئلة جعلت كثيرًا من الباحثين والمهندسين والسياسيين يشكّون في الرواية الأمريكية الرسمية، التي كُتبت على عَجَل لتصبح دستورًا إعلاميًّا، ومفتاحًا لتبرير الغزو والاحتلال.
التدليس الأمريكي.. قانون عالمي
ما بعد 11 سبتمبر ليس كما قبله. لقد سُنّت القوانين، وأُطلقت الحملات، وتحوّل العالم كله إلى ساحة مراقبة شاملة باسم “مكافحة الإرهاب”.
صدر قانون باتريوت في أمريكا ليشرعن التجسس، والاعتقال بلا محاكمة، وتعذيب المشتبه بهم.
أنشئت السجون السوداء، وملأ اسم “جوانتنامو” الدنيا رعبًا.
توسّع حلف الناتو في التدخلات العسكرية، فاحتُلّت أفغانستان، ودُمِّرت العراق تحت راية البحث عن أسلحة الدمار الشامل، التي لم تُكتشف أبدًا.
هكذا صار التدليس الأمريكي قانونًا عالميًّا، تُعاقَب به الشعوب وتُرهب به الحكومات، وتُستباح تحت رايته الأوطان.
عصا الكاوبوي على الكراسي
تصرّفَت الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر كما لو أنها مالكة الأرض ومن عليها.
لوّحت بعصا الكاوبوي، وأرغمت أنظمةً عربية وإسلامية على فتح أجوائها وقواعدها للجيوش الغازية، بل تحوّلت كثير من الحكومات إلى “شُرطي محلي” ينفّذ الأوامر الأمريكية: ملاحقة الجمعيات الإسلامية، مراقبة المساجد، تضييق الخناق على الدعاة، وتجفيف منابع العمل الخيري.
وهكذا جلس الكاوبوي على الكراسي، فيما تحوّلت الشعوب إلى قطعان من البقر والغنم، تقتادها عصا الإعلام والخوف، وتدفعها رياح الرعب المصنوع، حتى صار التشكيك في الرواية الرسمية جريمة، والاعتراض على الحروب كفرًا بالتحالف الدولي.
الضحايا دائمًا من المسلمين
من أفغانستان المدمرة، إلى العراق المنكوب، ومن فلسطين المحاصَرة إلى سوريا الممزَّقة واليمن الجائع، ظلّت دماء المسلمين هي العملة الرخيصة في السوق الدولية.
عشرات الملايين بين قتيل وجريح ومهجَّر، تحت راية الحرب على الإرهاب. حتى في الغرب نفسه، صار المسلم يُراقَب في مطاراته، ويُلاحق في أعماله، ويُتهم في دينه.
والمفارقة أنّ كل ما كُشف لاحقًا من وثائق وأسرار أكد أن الهدف لم يكن سوى السيطرة على النفط والغاز والممرات الإستراتيجية، وإخضاع العالم الإسلامي تحت الهيمنة الأمريكية.
إرث 11 سبتمبر
اليوم، بعد ربع قرن إلا قليلًا، تتضح الصورة أكثر:
“الإرهاب” كان ذريعة لبناء إمبراطورية مراقبة عالمية.
الإعلام تحوّل إلى سلاح استراتيجي يروّج للكذبة حتى تصبح حقيقة مقدسة.
الجيوش الأمريكية لم تحقّق انتصارات، لكنها زرعت الفوضى، وخلّفت دولًا فاشلة، وملايين النازحين.
أما الشعوب الإسلامية، فما زالت تدفع الفاتورة دمًا ودموعًا وتشريدًا.
إن قصة 11 سبتمبر لم تُكتب فصولها الأخيرة بعد.
فما زال اللغز قائمًا، وما زال التدليس هو السيد، وما زالت عصا الكاوبوي تتحكم بالكراسي، وما زالت قطعان البقر والغنم تُقاد تحت شعارات الحرية والديمقراطية.
لكن الحقيقة التي لا جدال فيها أن الضحايا كانوا وما زالوا من المسلمين أولًا وآخرًا، وأن العالم لم يتغير نحو الأفضل، بل صار أكثر خوفًا، وأكثر استبدادًا، وأكثر خضوعًا لإمبراطورية الكذب.