عبد الجليل هزبر يكتب: الثورة وأسباب السخط

الذين يطالبون الثورات بالإنجازات، وإذا تعرضت للعراقيل والعقبات حكموا عليها بالفشل، يظهر من فعلهم ذاك أنهم لا يفقهون سنن الله في التغيير،
ولا يدركون طبيعة طريق التمكين،
ولا يقرأون تاريخ الثورات وما تلاقيه من عراقيل،
فجهل هؤلاء بهذه الأمور
هو سبب تسخطهم والنفور.
ولذلك على هؤلاء أن يفقهوا سنة الله في التغيير، ويدركوا طبيعة طريق التمكين،
وينظروا في تاريخ الثورات وما تمر به من صعوبات وتعثرات، لعلهم يرجعون.
إن سنة الله في التغيير تتطلب وجود الرغبة الكبيرة بالتغيير والسير في طريقه عند غالبية المجتمع، فإذا توفرت الرغبة في التغيير عند النخبة أو القلة فقط يتعرقل التغيير، قال تعالى::{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، لاحظ كلمة (ما بقوم) وليس مجرد أفراد في القوم.
ولابد من إدراك طبيعة طريق التمكين، وطبيعة طريق التمكين هي المحن والابتلاءات، كما أخبرت بذلك الآيات: {وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَ لِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَ تِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِینَ}،
وقال تعالى: {أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُوا۟ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا یَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِینَ خَلَوۡا۟ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَاۤءُ وَٱلضَّرَّاۤءُ وَزُلۡزِلُوا۟ حَتَّىٰ یَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَاۤ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِیبࣱ}، وقال: {وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَـٰهِدِینَ مِنكُمۡ وَٱلصَّـٰبِرِینَ وَنَبۡلُوَا۟ أَخۡبَارَكُمۡ}، فلا تمكين بلا ابتلاء هذه سُنة ماضية إلى يوم الدين.
وتاريخ الثورات يقول: إن الثورات لا تنجح وتحقق إنجازات دون أن تمر بعقبات وتواجه صعوبات، فهذه الثورة الفرنسية دخلت في حروب وصراعات استمرت أكثر من ثمانين سنة قُتِل فيها أكثر من مليونين تقريبا،
وهذه الثورة اليمنية26 سبتمبر التي جاءت بعد فشل ثورتين، ثورة 48، 55 خاضت حربا عسكرية لمدة 7سنوات، ثم حربا باردة لمدة 10 سنوات.
كذلك ثورة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني لهم أكثر من 70 سنة، وهم في نضال متواصل، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا، بل كلما طالت المدة ازدادوا تصميما وقوة!!
الذين يعتبرون العقبات والعراقيل التي تظهر في طريق الثورة دليل فشل الثورة، ويُبدون تسخّطهم على الثوار، إنما يقتدون بالذين سخطوا على موسى عليه السلام وقالوا له: أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا،
ويسيرون على نهج الذين قالوا أيام حصار الأحزاب للمدينة: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا.
كذلك مما يعرقل الثورات، ويؤخر نجاحها ويجلب المعاناة للمجتمع هي الذنوب السياسية للمجتمع، قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير}، فالمجتمع الذي تعايش عقودا من الزمن مع الفساد، وعاش يصفق للمفسدين ويصوت لهم بأغلبية، لابد أن يعاقبه الله على ذلك، ومن عقوبته ظهور العراقيل والعقبات أمام ثورته، وحصول الأزمات والمعاناة في حياته، مصداقا لقول الله:{ وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲ }.
فهل يُدرك الساخطون على الثورة اليوم أن سكوتهم -سابقا- على الظلم والفساد هو سبب من أسباب معاناتهم اليوم؟!!
ختاما.
إن علينا أن ندرك أنه لا تغيير في واقعنا إلا إن غيرنا ما في أنفسنا، وسرنا جميعا في طريق التغيير،
ولا تمكين لنا ولا رخاء في حياتنا إلا بعد محن وابتلاء
ولا زوال لمعاناتنا إلا بالتوبة من ذنوبنا، قال تعالى: {أَوَلَا یَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ یُفۡتَنُونَ فِی كُلِّ عَامࣲ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَیۡنِ ثُمَّ لَا یَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ یَذَّكَّرُونَ}
[سُورَةُ التَّوۡبَةِ: ١٢٦]