أقلام حرة

عبد المنعم محمود يكتب: هل أنشأت حماس ذراعًا عسكريًا في الأردن؟

في السنوات الأخيرة، عادت الشكوك حول وجود نشاط عسكري لحماس داخل الأردن إلى الواجهة، بالتزامن مع تصاعد التوترات الإقليمية واستمرار المواجهة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي. هذه الشكوك لم تأتِ من فراغ، بل استندت إلى ملفات أمنية شائكة وتطورات ميدانية أثارت قلقًا واضحًا لدى الجهات الرسمية الأردنية

أحدثُ تلك الملفات كان إعلان تفكيك الخلية الإخوانية الذي شكَّل مقدمة قرار حظر الجماعة. وُجّهت للخلية اتهامات تتعلق بـ«المساس بالأمن الوطني، وإثارة الفوضى، والتخريب داخل المملكة».

التهم شملت تصنيع صواريخ محلية الصنع، واستيراد مكونات من الخارج، وحيازة متفجرات، وتخزين صاروخ جاهز للإطلاق، بالإضافة إلى مشروع متكامل لصناعة طائرات مسيّرة.

ليست هذه الحالة الوحيدة فقد سبَق أن وجه الأردن تهمًا مشابهة لعناصر محسوبة على حماس. لكن رغم تعدد هذه الحوادث؛ لا توجد حتى الآن دلائل تثبت تأسيس حماس لفرع عسكري منظم داخل الأردن، على غرار كتائب القسام في غزة، أو النواة التي تشكّلت لاحقًا في جنوب لبنان. كما لم تُسجل أي عملية عسكرية انطلقت من الأراضي الأردنية ضد إسرائيل أو غيرها، حتى في ذروة التصعيد في غزة أو لبنان.

تواصلتُ مع مصادر متعددة في حماس، إلى جانب كوادر من الصف الأول لإخوان الأردن. وتطابقت رواياتهم على أن الحركة لم تُنشئ جناحًا عسكريًا داخل المملكة، احترامًا لتفاهمات سابقة مع الدولة بعدم الزج بالأراضي الأردنية في أي عمل مقاوم. إلا أن تلك المصادر لم تنفِ وجود محاولات فردية، قام بها بعض شباب متحمس من بيئة الإخوان، للمساهمة في تهريب أسلحة إلى الضفة الغربية، في مرحلة كانت تُدار فيها العمليات من قِبل صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، والذي اغتيل في ضاحية بيروت الجنوبية مطلع عام 2024.

لكن في الجهة المقابلة، تشير تقارير أمنية وتسريبات صحفية إلى أن النشاط العسكري “غير المنظّم” كان حاضرًا على شكل خلايا صغيرة لتجنيد عناصر أو تسهيل تهريب سلاح إلى الأراضي الفلسطينية. وغالبًا ما وُجّهت أصابع الاتهام إلى العاروري، الذي كان يقيم في لبنان بعد مغادرته تركيا، وتحديدًا في معقل حزب الله، حيث تزايد الحديث عن دوره في تجنيد خلايا داخل الأردن لخدمة أهداف لوجستية أو أمنية. لكن العاروري نفي أي علاقة له بنشاط عسكري في الأردن.

لكن بعد أحداث 2023 و2024، أشارت تقارير استخبارية جديدة إلى أن العاروري ربما كان يدير عملية تجنيد محدودة من خلف الستار، مستهدفًا شبابًا من أوساط الإخوان داخل الأردن، دون علم أو تفويض رسمي من الجماعة الأم.

في مواجهة هذه الاتهامات، سارعت حماس إلى نفي أي صلة لها بتلك الخلايا، وأكدت أن «الأردن بلد نحترمه ولا نتدخل في شؤونه، ونحصر عملنا العسكري في مواجهة الاحتلال فقط».

ومع نفيها أي نشاط مسلح على الأراضي الأردنية، فإنها لم تنكر أن بعض العناصر قد تتصرف بدوافع فردية أو حماسية، خاصة في ظل ما يجري من اعتداءات على غزة والضفة.

هذا الموقف، الذي يجمع بين النفي الرسمي والتفهم الضمني، يعكس ما يمكن تسميته بـ«سياسة الإنكار المسؤول»، حيث تترك الحركة الباب مواربًا بين التنصل الكامل وتحميل المسؤولية للفعل الفردي.

أما الدولة الأردنية، فاتبعت سياسة أكثر هدوءًا لكنها لا تقل حزمًا. فقد تجنّبت التصعيد الإعلامي المباشر مع حماس، لكنها في الوقت ذاته لم تتردد في تنفيذ ضربات استباقية ضد أي خلية يُشتبه بارتباطها بالحركة، خاصة في المخيمات والمناطق ذات الكثافة الفلسطينية.

وفي أكثر من مناسبة، شدّد مسؤولون أمنيون على أن المملكة لن تسمح بتحويل أراضيها إلى ساحة لصراعات إقليمية، مهما كانت دوافعها أو شعاراتها، وأن استقرار الأردن وسيادته خط أحمر لا يمكن تجاوزه.

تلك المعادلة الدقيقة سمحت للأردن بالحفاظ على توازنه: لا خصومة معلنة مع حماس، ولا تهاون في ملف الأمن. توازن هش لكنه، حتى اللحظة، ما زال قائمًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى