د. ياسر عبد التواب يكتب: حين نختلف

أقر القرآن بتعددية الآراء وتنوعها حيث يقول: ((وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)) سورة هود آية {118}،
أي أن الاختلاف بين البشر يعد أمرا طبيعيا. لا غضاضة فيه.
لكن يحتاج الأمر لبيان لأن الاختلاف ليس في ذاته محمودا لكنه مشروعا والوحدة هي الأساس الذي يجب أن نسعى إليه لئلا يؤدي الاختلاف إلى التنازع.
كما أقر بتمتع المجتمع، رجالاً ونساءً بالحرية في التعبير عن آرائهم ومواقفهم، حيث يذكر القرآن:
((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)) سورة التوبة آية {71}
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع لا يقتصر على الأمور الدينية والعبادات والعقائد فحسب بل كل النشاط الإنساني في التفكير والنقد والمعارضة والتقييم في شؤون السياسة والثقافة والاقتصاد.
وكل هذا يبيح عرض تلك الآراء لأن الأصل في الأشياء الإباحة كما هو معروف من قواعد الشريعة.. شريطة أن يتم العرض مراعيا ضوابط الشرع في هذا من حفظ حقوق الأفراد والمجتمع وعدم التجسس أو كشف العورات أو فضح المستورين أو تعيير المخطئين.
فالأصل أن هناك نوعان من الآراء:
أولا: ما يجوز الاختلاف حوله مما تختلف فيه الأفهام فلكل وجهة في ذلك ولا تثريب عليه كما أشرنا
ثانيا: ما لا يجوز الاختلاف حوله من ثوابت الدين والعقيدة وحفظ الدين والنفس والعقل والمال والعرض
وضرورات حفظ المجتمع بالمحافظة على نظام الأسرة ككيان أساس للمجتمع والمحافظة على ثروات المجتمعات وعدم التفريط فيها أو خيانة من استأمن المسئول أو الفرد العادي عليه من قبل المجتمع الخ.
فما دمنا لا نقدح أو نسيء للثوابت فلا حرج من ذلك
قد تعتري المرء شبهات في الثوابت ولا عبرة بصغار الأمور والتجاهل لتلك الأمور يميتها في مهدها.
أما إذا كانت الشبهات كبيرة أو نزوعها في قلبه يزلزل نفسه فهنا الحكمة منه ومن المجتمع كله ألا يعرض المجتمع للبلبلة بإشاعتها على العامة لئلا يكون ذلك فتنة لغيره ولا مجالا لشيوع التنافر والتناحر.
إنما مجاله هنا أن يسأل ويستفهم ويتثبت ولا حرج عليه من السؤال والاستفهام ولا يتبرم منه غيره في ذلك وهنا يظل المجتمع محتفظا بحيويته وقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم أرحب الناس صدرا في الإجابة والحوار والتعليم والدعوة.
حتى إن أمنا عائشة كانت تسأل عما بدا لها وحتى تجرأ الفتى على السؤال مستأذنا في الزنى والعياذ بالله تعالى.
فالواقع في الشبهات إما أن يسأل ويبحث ويقتنع أو يحتفظ بوساوسه لنفسه ولا يغوي بها غيره.
وهنا لا يفتش أحد عنه ولا يطعن في نيته ما دام لم يجاهر.
وفي الحديث: (كل أمتي معاف إلا المجاهرون)
كما ويوضح القرآن أن اختلاف الآراء وتركها دون حل في المسائل الكبرى سيؤدي إلى النزاع والصراع، ولكنه أرشدنا لسبيل حسمه إذ يقول: ((… فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ...)) (النساء 59).
فهنا يضع الضابط لبيان الحل حين الاختلاف وهذا الحل يحتاج لعرض وبيان ونقاش وإقناع على الملأ بما يستدعي أن يكون باستخدام الإعلام.
فالشيء المؤكد وجود آراء متعددة في المجتمع الإسلامي تعكس تنوعه وتياراته الفكرية وإباحة تعدد الآراء تعني إباحة بثها بحرية.
والخلاصة: أنك لن تجد مجتمعا به الحرية الإيجابية ولا احتواء الخلاف كمثل المجتمع المسلم الذي تربى على الإسلام فلنعد إذن للشأن الأول.