أحمد هلال يكتب: هل تورطت إسرائيل في غزة؟!!
طوفان الأقصى أحدث تغييرات هائلة في الميدان ونجح نجاحا مذهلا ومدهشا وتجاوز النتائج التي كانت من أجله تلك الضربة الإستباقية الموجعة والمؤلمة.
هجوم إستباقي على خمسة وعشرين محور بخطط عسكرية متشابكة تتقاطع فيما بينها وتحقق مجموعة من الأهداف والإستراتيجية لإعادة تموضع جديد ومختلف وبعثرة كل المخططات الاستيطانية والاعتداءات المتكررة حول القدس الشريف وباقي الأراضي المحتلة.
لم يحلم قادة حماس بكل تلك النتائج المبهرة والمدهشة ولم تكن في حساباتهم غير إستباقية بسيطة للضربة بسحب عشرين أسير إلى غزة للتفاوض حول إنهاء معاناة المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي التي تجاوزت أربعين عاما لبعض الأسرى المحتجزين لديها!!
وإعادة طرح القضية دوليا و إقليميا وفك الحصار اللاإنساني عن قطاع غزة.
حماس تدرك تماما خطورة قرار نقل المعركة خارج قطاع غزة ؛بما يعني إعلان الحرب وليس مجرد ردة فعل إستباقية بسيطة بما يترتب عليه توقع أسوأ السيناريوهات المحتملة والأسوأ منها لابد أن يكون حاضرا عند اتخاذ قرار الحرب خصوصا وأنها ضربة في عمق الكيان الصهيوني المحتل!!.
تم تنفيذ القرار عبر خطط حربية إستخباراتية ومعلوماتية تسمح بتحقيق نجاحات كبيرة ومعجزات عسكرية غير مسبوقة وتفوق ميداني كبير علي مستوى التخطيط العسكري الإسرائيلي وتحييد كثير من القوات العسكرية التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي المحتل!!.
كانت صدمة هائلة ومؤلمة تم امتصاص تبعاتها ونتائجها بعد فترة من التشتت والاضطراب وعدم قدرة القيادة السياسية والعسكرية على اتخاذ قرار مناسب .
ومما زاد الأمر سوء على الجيش الإسرائيلي وجود مستوطنين يحتفلون بالقرب من غلاف غزة يتخطي عددهم 4500 من المستوطنين والأجانب.
ولم تكن قيادة حماس لديها معلومات حول تلك الاحتفالية مما دفع بالقيادة لتوجيه بعض من المجاهدين للتوجه نحو مكان الحفل لاتخاذ اللازم وأسر عدد من المحتفلين!!.
بناء على أوامر تحركت مروحيات عسكرية باتجاه موقع الاحتفالية ومنع حصول حماس على أسرى من ذلك التجمع الكبير!!؛ وكانت الأوامر العسكرية للطائرات بضرب كل من يسير في تلك المنطقة دونما تمييز رغم صعوبة التمييز!!.
نتج عنها مجزرة كبيرة نتيجة القصف الجوي وزيادة عدد القتلى إلى نحو 1400 قتيل في أقل من ساعتين ودمار هائل بالمنطقة؛ وتفحم كثير من جثث الضحايا.
اتهمت إسرائيل حماس بارتكاب تلك المجزرة تبريرا لمجازر سوف يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين انتقاما لكرامتهم واستردادا لهيبتهم وضحاياهم!!.
تكشفت الأمور رويدا واتضح أن من ارتكب تلك المجزرة هو الطيران الحربي الإسرائيلي!!
وكانت من خطة نتنياهو تنفيذ بروتوكول هانيبال الذي يسمح بقتل كل من يمكن وقوعه في الأسر حتى لا يتم التفاوض بشأنه وتقديم تنازلات للجانب الآخر.
تتابعت ردود الأفعال المجنونة والمسعورة للجيش الإسرائيلي واستمر في قصف غزة بالطيران دونما توقف مما نتج عنه خسائر فادحة ومجازر وجرائم حرب تحت مظلة أوروبية أمريكية وصمت ضمير العالم وارتفاع أعداد الضحايا والشهداء إلى أكثر من 13 ألف شهيد من بينهم 5500 طفل ؛ واحتلال المستشفيات والمدارس تحت ذرائع سخر منها العالم وضحك من سذاجتها وطفولية حبكتها زاعما أن حماس تدير معركتها من تحت أنفاق أسفل المستشفيات!!.
زاد ركام المباني المهدمة في الشوارع وسقطت قنابل على غزة وحدها تفوق أي حرب عالمية سابقة ولم يتبقى من توصيف حالة الحرب بأنها حرب عالمية ثالثة غير الإعلان الرسمي لها؛ حيث أن أمريكا وأوروبا متورطة في الحرب وأصبحت طرفا أصيلا فيها بعتادها وجنودها وبوارجها وأموالها واستخباراتها ومسيراتها!!.عناصر الحرب العالمية متوفرا بكل مقوماتها وأدواتها!!.
إنها الإبادة الجماعية باتفاق إقليمي دولي وأممي وإعلان رسمي وتهديد صريح:
مقدم القناة العبرية 14 والمقرب من نتنياهو يهدد بالإبادة الجماعية لغزة ولكل من يساند الفلسطينيين في العالم”
.شاي جولدن | سنقطع أجسادكم ستشاهدون إبادات لم تروا مثلها في التاريخ .
قد لا يكون لكم علم بما سنفعله بكم سنرتكب إبادات لم يتصورها عقل بشري.
.ولا يهمنا لو قاطعونا العالم كله
فسوف نتحدى الجميع، بما في ذلك الولايات المتحدة
سنجعلكم تلقون مع ربكم..هذا شيء أكيد
.” هكذا نحن…هذه هي عقليتنا…سنمحوا نسلكم من على وجه الأرض “.
تورط الجيش الإسرائيلي في دماء المستوطنين ودماء الآخرين من أهل غزة يجعل من وقف إطلاق النار أسوأ من الاستمرار في الحرب ويجعل الخطاب الإعلامي الرديء بارتكاب تلك المجازر هو صوت الهروب الأعلى؛ ويجعل من الحرب مستنقع كبير ولن تعود الثقة في الجيش الإسرائيلي كما كانت قبل السابع من أكتوبر.
لم يستفيد الجيش الإسرائيلي من اقتحام المستشفيات والمدارس وهدم المنازل غير أنها أصبحت مصيدة كبيرة للمعدات العسكرية والجنود وأصبحت صيدا سهلا للمقاومة حيث يخرج المجاهدين من تحت الركام والإجهاز على جنود الجيش الإسرائيلي المحتل من المسافة صفر حتى أصبح للصفر قيمة كبيرة في المعادلة التي تغيرت بالكامل ولم يعد التفوق العسكري أحد أهم أسباب الانتصار وحسم المعركة!!.
انتصرت المقاومة الإسلامية رغما عن المجتمع الدولي المتواطئ والصمت العربي المتخاذل؛ ولم تعد الرواية الإسرائيلية الكاذبة هي الرواية المعتمدة والتي يصدقها الساسة والشعوب الغربية والعربية ولن تستطيع إدارة بايدن تغيير الأحداث وتجاهل المتغيرات الكبرى ومنها الدور الرئيسي والهام للمقاومة ما بعد وقف الحرب وكل عمليات التسوية وترتيب الأوضاع بالمنطقة!!.
انهيارات الداخل الإسرائيلي المنهزم سوف تتداعى أثرها عقب وقف إطلاق النار ولن تعود إسرائيل كما كانت قبل تلك الضربة الموجعة والمؤلمة على كافة المستويات العسكرية والاقتصادية والمجتمعية وبداية التفكك الحقيقي سيبدأ فور الهدوء النسبي للمعركة بما يسمح بتزايد أعداد الهجرة العكسية واستحالة العودة إلى المستوطنات المهجورة وهروب كبار رجال الأعمال وفتح تحقيقات موسعة ومحاسبة نتنياهو وقادة الحرب في إسرائيل وانهيار الاقتصاد الإسرائيلي وتحلل كثير من دول أوروبا من الدعم والمساندة اللامحدود للكيان الصهيوني المحتل.
لقد تبدد وهم إعلان إسرائيل عن القضاء على حماس وتحرير الأسرى المحتجزين لديها وأصبح من المستحيل تحقيق ذلك في ظل غياب معلومات عن الإنفاق أو مكان تواجد الأسرى: ولن يتحقق ذلك حسب الأحداث الميدانية للمواجهة والتي تؤكد الخسائر والتورط في وحل هزيمة مؤلمة في غزة.
والأهم من ذلك نظرة الإدارة الأمريكية للجيش الإسرائيلي المنهزم أنه لا يصلح أن يكون مقدمة الجيش الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط بعد تلك الهزيمة العسكرية المؤلمة والموجعة وانكشاف قدراته وإمكانياته الحقيقية وعدم قدرته على الصمود أمام حركة المقاومة الإسلامية حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى!!.
ربما تضطر الإدارة الأمريكية مستقبلا التنسيق الكامل مع حركة المقاومة الإسلامية وإعتبارها بديلا عن إسرائيل أو حليف إستراتيجي متقدم في منطقة الشرق الأوسط في مواجهة أطماع الصين وروسيا في المنطقة.
كل السيناريوهات ممكنة أمام مشهد المقاومة المبهر والناجح بكل المقاييس من كل الأبعاد والزوايا.
وربما أكون أكثر تفاؤلا بأن نجاح المقاومة سوف يكون طريقا لتحرر جميع الدول العربية ببزوغ ربيع عربي آخر وتصبح غزة المحاصرة أيقونة لتحرير الشعوب العربية والإسلامية!!
وللقصة بقية
أحمد هلال
حقوقي وكاتب مصري