أقلام حرة

أسامة حوى يكتب: «المُتَصَلْبن» صلاح الدين الأيوبي!

بموجب ما سطّره بعض العلماء المتصدّرين والمفكّرين المنظّرين والإعلاميين المشهورين اليوم، حول ضرورة تنحية الخلافات والإشكالات، وتأجيل المطالبة بالحقوق والمحاسبة على ما فات، نظراً للهجمة الصهيونية الشرسة على ديار المسلمين، والتي إن لم نقف في وجهها صفّاً رصيناً في خندق واحد فلن تذر منّا أحد، وعلى قول إحدى الإعلاميّات البارزات: تذكرون قصة الثور الأبيض والأسود..

عندما تصفّحت هذه الكتابات، ثم انتقلت لصفحات التاريخ أدركت يقيناً أن صلاح الدين الأيوبي رحمه الله كان صاحب فتنة، وكان رجلاً طائفيّاً حاقداً، وكان من قِصر نظره وغلبة هواه واستيلاء أحقاده على نفسيّته المضطربة، أنه أجّل فتح القدس وتحرير الأقصى من رجس الصليبيين، لينشغل بمحاربة الدولة الفاطمية «المسلمة» ومحاولة تفكيكها لعقود طويلة… هذا الذي تسمّيه الأمّة اليوم بطلاً، ما كان إلا متصلْبناً طائفيّاً فتنويّاً ضاعت لديه البوصلة ولهث خلف أحقاده على دولة «مسلمة» كان بإمكانه التحالف معها لتحرير القدس والأقصى لكنه أراد تصفية حساباته الجزئية وإشكالاته المذهبية غير عابئٍ بمصير الأمة ومصالحها العليا، غير مكترث للخطر الصليبي الذي يتهدّدها، والذي لا يفرق بين عبيدي فاطميّ ولا شاميّ سنّي، وإن تمكّن فسيستبيح مصر والشام وغيرها دون الالتفات لمذهب هذا أو طائفة ذاك…

كان بإمكان «المُتَصَلْبن» صلاح الدين، أن يتعالى على خلافه مع الفاطميين، وخاصة أنها كانت دولة قوية يزيد عمرها عن 250 سنة، ودولته الفتيّة بالكاد تقف على رجليها ولم تخرج بعد من عباءة الزنكيين، كما كان بإمكانه تأجيل خلافاته معها وترحيل الإشكاليات إلى وقت آخر، وغضّ النظر عن فساد عقيدة الفاطميين ونقشهم لمسبات الشيخين على مخاريب مساجد القاهرة وعمالتهم وتخالفهم مع الصليبيين وفتكم بأهل السنة وتشييعهم لشعب مصر.. كما كان بإمكانه تغيير استراتيجيته «الخرقاء» بتصنيفيه للفاطميين بالأعداء الأشد خطرا على الأمة واعتباره لهم بأنهم هم العقبة الكؤود أمام تحرير القدس فيجب إزالتهم، كان بإمكانه تشكيل محور مقاومة معهم ضد الصليبيين، وإبرام معاهدة ذكية كمعاهدة «وحدة الساحات» لكن زمانه لم يسعفه، ولم يكن لديه الحسّ الاستراتيجي الذي يتمتع به جمال ريان، ولا الرشد القيادي الذي نراه اليوم عند جماعة المحور، كما لم يكن لديه أدنى صلة بأصول الفقه -مع حفظه للموطأ وغيره- ليدرك قاعدة «انفكاك الجهة» التي تشرّبها الشنقيطي ونادى بها البشير، كما أن الأديب القاضي الفاضل الذي كان بجنبه لم يكن على مستوى الحدث كما لو أن تميماً البرغوثي كان وزيراً له، والأهم لم يكن له حليف مغوار، يشدُّ به الظهر كالقاصر بشار.

لو كان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله في زمننا هذا، لقيّمته هذه النخب الموتورة بكل ما سبق بل ربما نادوا بتنحيته، ولربما اعتبره صبية المحور «متصلْبناً»، وحكم أصحاب القضية المركزية بردّته.. لكن الحمد لله ثم الحمد لله أن لم يكن في زمنه منظّرون يسكنون الأبراج العاجيّة ويمتطون صهوات وسائل التواصل ويرتّبون أدوار القضايا أيها أكثر مصيرية، ويفاضلون بين الدماء أيها أشد حرمة، وبين الجراح أيها أكثر عمقاً.. فلربما حينها، أقول ربما: ترك صلاح الدين الفاطميين بغيّهم وعمالتهم، وعاف الصليبيين بحقدهم وإحرامهم، والتفت عن القدس إلى الشبكات فقطعها، وإلى وسائل التواصل فأغلقها، ونزع من كل شيخ جواله، ومن كل مفكر حاسبه، ومن كل إعلامي كاميرته.. ليرى ساعتها كيف سينظّرون على عباد الله بواسطة الحمام الزاجل… قاتل الله الهوى

سمير زعقوق

كاتب صحفي وباحث في الشئون الآسيوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى