بعد الإعلان عن وقف النار في غزة.. إسرائيل لا تملك قراراتها السياسية والعسكرية
هناك العديد من الأدلة التي تشير إلى أن القرار الإسرائيلي لم يكن في يوم من الأيام قرارًا مستقلًا تمامًا، بل كان ولا يزال تحت تأثير كبير من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
تتراوح هذه الضغوط من تدخلات مباشرة في السياسات العسكرية، مثل منع الرد على الهجمات العسكرية، إلى تدخلات سياسية في المفاوضات مع الفلسطينيين والمواقف المتعلقة بالاستيطان.
ورغم ما يظهر من قوة إسرائيل العسكرية والتكنولوجية، إلا أن هذه القوة ما هي إلا جزء من شبكة معقدة من الدعم الأمريكي والدولي، الذي يسهم بشكل رئيسي في الحفاظ على استقرارها وقوتها في المنطقة.
وفي سياق ذلك، يمكننا النظر إلى بعض الأمثلة التي تظهر كيفية التأثير الأمريكي في القرارات الاستراتيجية لإسرائيل، والتي تتراوح من قضايا الاستيطان إلى قرارات متعلقة بالحروب والاتفاقات مع الفلسطينيين.
يقول الباحث في معهد ترومان للسلام بالجامعة العبرية، روني شاكيد، إن نتنياهو كان محاصرًا بين الضغوط الداخلية والخارجية.
ويشير شاكيد إلى أن نتنياهو كان مترددًا في الموافقة على الاتفاق خشية انهيار حكومته، لكنه اضطر إلى ذلك بعد أن أصبح واضحًا أن الحل العسكري لن يحقق أهدافه.
كما أضاف أن المعارضة السياسية في إسرائيل ضعيفة في الوقت الحالي، مما أعطى نتنياهو مجالًا للمناورة.
ومع ذلك، فإن التوترات داخل حكومته، خاصة من التيار اليميني المتطرف الذي يطالب بتوسيع المستوطنات في غزة، لا تزال تشكل تحديًا.
وقد كشف الضغط الحالي للرئيس الأمريكي ترامب على الكيان الصهيوني لإبرام اتفاق يعد انتصارا للمقاومة وتجاوزا لأغلب ما كانت تدعيه الإدارة الصهيونية المتشددة من أهداف وأوهام ترددها لاستمرار الحرب عن حجم التأثير الأمريكي على ذلك الكيان لنصل من خلاله لقناعة مفادها أن هذا الكيان مجرد أداة في يد الغربيين ينفذون بعا تعليماتهم القذرة والمخالفة للقوانين الدولية والأعراف الإنسانية
الكيان مجرد أداة وما سوى ذلك مجرد ترويج أن ثمت قرارات وافعالا وقوانين ودولة
حين يجد الأمر ينسى كل ذلك
ولذا نعود للحقيقة الأساسية أن كل جرائم الكيان هي في الحقيقة جرائم حرب أمريكية، فالمحرك الفعلي للحكومة الصهيونية هي أمريكا.
وأمام من يردد بأن للإسرائيليين دور في إدارة دولتهم وصراعهم مع المقاومة نورد في السطور التالية الضغوط الأمريكية على القرار الإسرائيلي، لنتأكد من أن القرار أمريكي وليس إسرائيلي:
إجبار ترامب نتنياهو على إبرام اتفاق مع غزة (2019)
في عام 2019، مارس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضغوطًا شديدة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لقبول التفاوض مع حماس في غزة،
رغم التصريحات السابقة حول ضرورة القضاء على الحركة. في ذلك الوقت،
كان ترامب يشجع على التوصل إلى اتفاق مع غزة كجزء من محاولة لتخفيف التصعيد وتوجيه جهود السلام نحو تسوية شاملة.
هذه الضغوط دفعت إسرائيل إلى التراجع عن موقفها المتشدد لقبول هدنة واتفاق مع غزة،
وهو ما يمثل تدخلاً مباشرًا في القرار العسكري والسياسي الإسرائيلي.
الضغط الأمريكي في «خطة خارطة الطريق» 2003
في عام 2003، أطلقت الولايات المتحدة خطة «خارطة الطريق» بهدف التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
هذه الخطة، التي تضمنت بنودًا تطلب من إسرائيل إيقاف الاستيطان وعودة بعض الأراضي للفلسطينيين، واجهت معارضة داخل إسرائيل.
ومع ذلك، مارست الإدارة الأمريكية ضغوطًا كبيرة على الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ بنود الخطة،
مما يبرز تأثير الولايات المتحدة في فرض تسوية سياسية، حتى عندما كان ذلك يتعارض مع مصالح بعض الأوساط الإسرائيلية.
الضغط الأمريكي في «حرب غزة 2014»
خلال حرب غزة 2014، تعرضت إسرائيل لضغوط شديدة من الولايات المتحدة لوقف الهجمات الجوية والبرية على القطاع، التي أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين.
على الرغم من الدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل، إلا أن إدارة أوباما دعت إلى ضبط النفس ووقف العمليات العسكرية،
وهو ما دفع إسرائيل إلى قبول هدنة مؤقتة.
هذا يسلط الضوء على تأثير الولايات المتحدة على السياسات العسكرية الإسرائيلية، حتى في الحروب الكبرى.
الضغط الأمريكي على إسرائيل لوقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية (2016)
في عام 2016، مارست إدارة باراك أوباما ضغوطًا على إسرائيل لوقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية،
وهو ما كان جزءًا من سياسة أمريكية تدعو إلى حل الدولتين واعتبار المستوطنات عائقًا أمام عملية السلام.
الامتناع الأمريكي عن استخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي ضد قرار يدين الاستيطان كان بمثابة ضغط سياسي على إسرائيل للتراجع عن سياسة التوسع الاستيطاني.
هذه الخطوة تشير إلى تدخلات الولايات المتحدة في السياسات الإسرائيلية المتعلقة بالأراضي المحتلة.
الضغط الأمريكي في «اتفاق أوسلو» 1993
في 1993، تحت ضغط كبير من الإدارة الأمريكية برئاسة بيل كلينتون، وافقت إسرائيل على التوقيع على اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية.
هذا الاتفاق كان خطوة تاريخية نحو حل الدولتين، وعلى الرغم من معارضة بعض الأطراف الإسرائيلية،
فإن الولايات المتحدة لعبت دور الوسيط الذي دفع نحو هذه التسوية.
هذا يبرز التأثير الأمريكي الكبير في shaping السياسة الإسرائيلية نحو المفاوضات مع الفلسطينيين.
الضغط الأمريكي خلال «انتفاضة الأقصى» 2000
في عام 2000، عندما اندلعت انتفاضة الأقصى عقب زيارة أرئيل شارون إلى المسجد الأقصى،
تعرضت إسرائيل لانتقادات شديدة بسبب ردها العنيف على الفلسطينيين.
في هذا السياق، مارست الولايات المتحدة ضغوطًا على إسرائيل لوقف العنف وفتح قنوات التفاوض مع الفلسطينيين.
هذه الضغوط تعكس مرة أخرى كيفية تأثير السياسة الأمريكية على قرارات إسرائيل العسكرية والسياسية.
الضغط الأمريكي في «ملف الاستيطان» في السبعينات والثمانينات
في السبعينات والثمانينات، تعرضت إسرائيل لضغوط أمريكية لتقليص التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية.
على الرغم من الدعم الأمريكي الواسع لإسرائيل، فقد كان هناك أيضًا تحذيرات من قبل الإدارات الأمريكية بعدم الإضرار بعملية السلام من خلال التوسع في بناء المستوطنات.
هذا الضغط يبرز أن الولايات المتحدة كانت تدفع إسرائيل في بعض الأحيان لاتخاذ خطوات متقدمة نحو حل الصراع مع الفلسطينيين.
الاعتماد التام على المساعدات الأمريكية
إسرائيل تتلقى مساعدات مالية وعسكرية ضخمة من الولايات المتحدة سنويًا، ما يعكس اعتمادها الكبير على الدعم الأمريكي.
هذه المساعدات تشمل تمويل أنظمة الدفاع مثل “القبة الحديدية”، بالإضافة إلى الدعم العسكري والاقتصادي.
هذه المساعدات تعزز قدرة إسرائيل على الحفاظ على تفوقها العسكري في المنطقة، مما يبرز العلاقة القوية والمعتمدة بين البلدين.
الاعتماد على الغرب بشكل عام
إضافة إلى الدعم الأمريكي، تعتمد إسرائيل أيضًا على علاقاتها مع الدول الغربية الكبرى، خاصة دول الاتحاد الأوروبي.
الدعم الاقتصادي والتكنولوجي من هذه الدول يعزز قدرة إسرائيل على التوسع في المنطقة، ويضمن استمرارية تفوقها العسكري.
ومع ذلك، فإن الضغط الدولي على إسرائيل في قضايا حقوق الإنسان والقانون الدولي يظهر أن الكيان الصهيوني لا يمكنه التصرف بحرية تامة دون مراعاة مصالح الغرب.
الخلاصة:
من خلال هذه الأدلة المتنوعة، يتضح أن إسرائيل ليست دولة مستقلة تمامًا في قراراتها السياسية والعسكرية.
على الرغم من قوتها العسكرية والتكنولوجية، تبقى إسرائيل تحت تأثير مستمر من الولايات المتحدة، التي تملي عليها العديد من القرارات الاستراتيجية.
من التدخلات في الحروب إلى ضغوط التفاوض مع الفلسطينيين، وحتى سياسة الاستيطان في الأراضي المحتلة،
فإن الولايات المتحدة كانت ولا تزال تؤثر بشكل كبير على السياسة الإسرائيلية. هذه العلاقة المعقدة تؤكد أن الكيان الصهيوني، رغم الظاهر من استقلاله،
يظل مرتبطًا بشكل وثيق بالشبكة السياسية والاقتصادية الأمريكية، وهو ما يبرز أن مثل هذه الكيانات
التي لا تعتمد على نفسها بشكل كامل تكون عرضة للانهيار السريع في حال تغيّر الدعم الدولي أو تم التخلي عنها.