أقلام حرة

حمدي شفيق يكتب: الوحيد الفريد أبو ذر الغفاري (3)

بعد مشاركته مع الفاروق عمر -رضي الله عته- في فتح بيت المقدس، استقر أبو ذر رضي الله عنه فى دمشق.. وشتّان ما بين الحياة البدائية شديدة التقشّف والقسوة والبساطة في جزيرة العرب، وما بين حياة البذخ والإسراف والترف التي اعتادها أهل الشام منذ مجيء الرومان واحتلالهم للمنطقة..

وكان من المحتوم أن يقع الصدام بين الصحابي الجليل الزاهد، وبين الشاميين بقيادة واليهم معاوية بن أبى سفيان الذي حاول ملاطفة أبى ذر، وبسط العذر، وهو أنه لا بد للمسلمين من بناء القصور والقلاع، وإظهار الغنى والثراء، لاكتساب الهيبة وبث الرهبة في قلوب جيرانهم الروم، كيلا تواتيهم الجرأة، فيحاولون احتلال المنطقة مرّة أخرى..

ولكن أبا ذر رضي الله عنه لم يقتنع بهذه الحُجّة الواهية، فقد سحق المسلمون الفرس والروم، رغم أنهم كانوا في كل المعارك تقريبًا-أقل عددًا وعتادًا، وكان بضعة من الصحابة -رضي الله عنهم- يتناوبون ركوب الناقة الواحدة، لأن الإبل كانت قليلة العدد، وكانت ثيابهم بالية، ونعالهم مُمزّقة، وطعامهم أقل القليل من التمر والماء..

وكان قدوتهم في كل هذا سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، الذي لم يشبع يومًا في حياته من خبز الشعير، وكان ينام على حصير خشن، ترك أثرًا في جسده الشريف، وبكى عمر رضي الله عنه حين رآه، وقال: «يا رسول الله، كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت صفوة الله من خلقه هكذا.. وكان رسول الله متكئًا فجلس وقال: أوفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ثم قال: أولئك قوم عُجّلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا» وفي رواية: «أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة»؟

وفي الصحيحين أيضًا: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة».

كما روى الترمذي وابن ماجه عن سهل بن سعد أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «لوكانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة، ما سقى منها كافرًا شربة ماء أبدًا» صحّحه الترمذي..

وما كان أبو ذر ليسكت عما يرى من بذخ وإسراف، وهو الذي عاهد الله ورسوله ألا يخشى في الحق لومة لائم، وراح يجهر بالنهى عن المُنكرات في كل أنحاء الشام، ويقرع أسماع الأغنياء بهذا الوعيد الإلهي الشديد: {والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وجُنُوبُهُمْ وظُهُورُهُمْ ۖهَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}.سورة التوبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى