د. خالد سعيد يكتب: حقل ظهر والثروات المصرية
عند انتقالي من العمل كمساعد باحث بالمركز القومي للبحوث إلى العمل بالهيئة العامة للبترول شركة بتروبل: لم يكن ممكناً الاستمرار في نفس الموضوع الذي كنت أعمل عليه لدرجة الماجستير، كما أنني أحب العمل التطبيقي، فقمت بتغيير الموضوع لدراسة نقطة علمية كنت قد تشرفت بمشاركة متواضعة فيها كورقة علمية قدمت لمؤتمر البترول عام ١٩٩٦م مع أساتذتي في الدراسات الجيولوجية بالشركة.
وهذه النقطة هي دراسة مشكلة هجوم المياه على الخزان الجوفي في حقل غاز أبو ماضي/القرعة، تناولت الدراسة ٣٠ بئراً في كلا الحقلين،
حيث تتحكم في إغراق المياه للخزان وسرعة ارتفاع منسوب المياه/الغاز؛ خواص الخزان البتروفيزيائية وشكله وعوامل أخرى كثيرة،
وقد وفقني الله للحصول على درجة الماجستير من جامعة المنصورة في هذه النقطة المميزة؛ والتي لم تكن مسبوقة آنذاك ولا أدري هل تابع أحد العمل عليها فيما بعد أم لا.
ثم استكملت الدراسة في نفس الموضوع «حقول الغاز بمصر» بكلية الهندسة جامعة الأزهر قسم بترول وتعدين وحصلت على دبلومة «تكنولوجيا الغاز الطبيعي».
وعندما اكتشف حقل ظهر في البحر المتوسط باحتياطيات كبيرة من الغاز، روج النظام أن المخزون يكفي الإنتاج المحلي لعشرات السنين،
بالإضافة إلى التصدير للخارج بما يعود على مصر بالرخاء، رغم معرفة الخبراء أن أغلب الحقول في الوضع الطبيعي يتأثر حجم الإنتاج فيها تأثراً واضحاً في مدة لا تزيد عن ١٥ سنة في المتوسط.
زيادة معدلات الإنتاج عن الحد الطبيعي
وبعيداً عن التقديرات الجزافية لمخزون الحقل، فأياً كانت فلا يمكن استهلاكها والحصول عليها بنسبة ١٠٠% أبداً، كما أن تلك التصريحات غير المسؤولة والمراد بها الضجة الإعلامية فحسب؛
لم تأخذ بعين الاعتبار مشكلة تقدم المياه في الخزان الجوفي، وهي مشكلة نعاني منها في حقولنا الشمالية بصورة عنيفة، وتسببت في توقف عدة حقول من قبل بشكل كامل وإن لم يكن بنفس سرعة «غرق حقل ظهر».
وكان من التوصيات التي تقدمت بها في دراستي؛ هي زيادة معدلات الإنتاج عن الحد الطبيعي في مثل هذه الآبار
ولكن بنسبة محسوبة، يتم تقديرها بناء على الخصائص الفيزيائية للخزان الجوفي وسرعة ارتفاع المياه فيها،
وتحسب لها معادلات رياضية دقيقة؛ تأخذ بعين الاعتبار النفادية الأفقية والرأسية، وسمك الخزان وامتداده وغيرها من عوامل.
وكنت قد توقعت أن تبدأ المشكلة مباشرة بعد أول سنة أو سنتين من الإنتاج في الحقل، ورغم أنني لست متخصصاً في الإنتاج،
إلا أنني وبسبب دراستي لهذه النقطة تحديداً وبشكل مفصل ومكثف؛ كنت أعرف جيداً -كما يعرف الخبراء في الهيئة العامة البترول تماماً- أن معدلات الإنتاج بهذه الصورة التي يروج لها سوف تعجل بتهييج الخزان وعمل تيار أو current يعجل بنهايته في وقت أقل من اللازم للاستفادة من الحقل،
وهو ما حدث بالفعل وأدى لحدوث أزمة انقطاع الكهرباء مع انتهاء عقد المازوت الآجل مع المملكة العربية السعودية، كما أدى لتوقف عائدات التصدير الدولارية إلى مصر في ظل أزمة ديون خانقة.
محاولة إنعاش حقل ظهر
مما جعل الشركة مضطرة -وهي نفس الشركة التي كنت أعمل بها- لمحاولة إنعاش الحقل بالبدء في مشروع تنمية لحفر ٢٢ بئراً جديدة من المفترض أن يتحمل تكلفتها الشريك الإيطالي رغم تأخر سداد مستحقاته وتقدر بمليار وسبعمائة مليون دولار،
مما اضطره لسحب السفينة الحفار سايبم من الحقل، واعتراضه على تنمية الحقل مع صعوبة تحمل الجانب المصري وحده لتكلفة هذا المشروع.
العشوائية تسود الموقف المصري كله وتتحكم في السياسة والاقتصاد، ولا تتم الإفادة من أية أبحاث علمية حتى من أبناء قطاع البترول وليس الأكاديميين فحسب،
ويدير استراتيجية البلاد وخططها غير متخصصين لقناعة النظام العسكري ورئيسه الملهم بعدم أهمية دراسات الجدوى، رغم وجود خبراء في الهيئة العامة المصرية على أعلى مستوى وكفاءة في العالم،
فلم يزل هذا المجال من المجالات القليلة التي تزخر بالكفاءات المصرية المتفوقة وتصدرها للعالم من كندا إلى الخليج كثروة بشرية لا تقل قيمتها عن الثروة المعدنية بل تزيد.