أقلام حرة

خليفة بن محمد الربان يكتب: قطر ومجلس الشورى المنتخب

إن من صفات الإنسان الطبيعية: قلة العلم ومحدوديته، إذ مهما بلغ من العلم والخبرة، والذكاء والفطنة؛ فقد شاء الله أن تكون ملكاته وقدراته الجسدية والعقلية قليلة؛ ليصبح محتاجا لغيره، ومن هنا أصبح الإنسان لا يستطيع العيش وحيداً فتلك الحاجة للغير هي من صنعت الجماعات والمجتمعات، والدول والأمم.

يقول اللَّهُ سُبْحَانَهُ لنبيه ﷺ: ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُۚ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴾.

فقد احتاج أكرم الخلق إلى نصرة المؤمنين، وهو المرسل من رب العالمين، الذي يقول للشيء كن فيكون، فهذه سنة الله في الخلق، فاحتاجهم النبي ﷺ في التبليغ والحرب والتجارة، وكذلك في الرأي والمشورة، فقد كان ﷺ أكثر الناس مشاورة لأصحابه،

كيف لا؟! وهو الذي أمره ربه عز وجل فقال: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾.

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}

قال الجصاص بعد ذكر الآية وهذا يدُلُّ عَلَى جَلَالَةِ مَوْقِعِ الْمَشُورَةِ لِذِكْرِهِ لَهَا مَعَ الْإِيمَانِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّا مَأْمُورُونَ بِهَا.

كما أن الإنسان بطبيعته ظلوم جاحد، قال جل من قائل: ﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُۚ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَاۗ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾.

ومتى ما استغنى الإنسان عن غيره واستبد بأمره ظلم! وتجاوز الحد في الظلم والتعدي، كما قال العليم الحكيم: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ﴾

وقد عرف الناس الحاجة للتشاور والتعاون في اتخاذ القرارات الأصوب بالتجربة والممارسة، وخلصوا الى أن العقل الجمعي والتجارب المتنوعة، والعقول المختلفة والمتباينة والمتدافعة هي من تنتج أفضل الآراء، وتوجد أصوب الحلول وأبدعها، وتكبح جماح النفوس التي جبلت على الانتصار للذات، والطغيان والجهل والأثرة،

 قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ: ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.

إن سنة التدافع ليست منحصرة بالدفع بالسلاح والسنان؛ بل هي كذلك بالرأي والبيان!

 قَالَ جَلَّ في عُلاه: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾.

أي: جاهدهم بالقران جهاداً كبيراً.

قال الرازى: {وَكَانَ ﷺ أكْثَرَ النَّاسِ عَقْلًا وَذَكَاءً، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِالِاجْتِهَادِ إِذَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، وَالِاجْتِهَادُ يَتَقَوَّى بِالْمُنَاظَرَةِ وَالْمُبَاحَثَةِ فَلِهَذَا كَانَ مَأْمُورًا بِالْمُشَاوَرَةِ.}

إن الشورى ليست ضرورة شرعية فقط (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِۖ)؛ بل هي ضرورة عقلية أيضاً لا ينكرها إلا جاهل أو مستكبر!

 إن الإنسان يحس بقيمة نفسه وانتمائه إذا شارك في اتخاذ القرارات التي تسير حياته وتراعي مصالحه، أما إن كان فاقدا للرأي والتأثير فهو مجرد رقم في قطيع لا حول له ولا قوة، فيفقد عندئذ تقديره للجماعة، وتنفك بذلك العصبية والنصرة.

وقد علم العليم ذلك فجعل الشورى شعاراً لهذه الأمة، فجعل أمرها شورى فيما بينها،

ولما خط لنا هذا الخط العريض المؤدي الى الخيرية والإصلاح لم يقيد الشورى بطريقة معينة ولا بشكل معين، لاختلاف الأماكن والأزمان، والإمكانات والأحوال،

 فالأمر لا كما قرر الفيلسوف السياسي الامريكي فرانسيس فوكوياما في كتابه: نهاية التاريخ والإنسان الأخير.

وهذا لا يعني أنه قد يغيب عن المسلم الهدف والغاية التي لأجلها شرع هذا الأمر العظيم، فقصده إنجاح مساعي الأمة في عمارة الأرض، وإقامة الفرض، والسعي للنصر والتمكين، وخلافة الله في أرض الله؛ لذا كان من المنطقي أن تسعى الأمة للاجتهاد وابتكار أفضل الطرق لإقامة هذه الشعيرة على أفضل ما يمكن لتحقيق أعظم المكاسب ودرء المفاسد.

إن من تمكنت منه نية الإصلاح لا بد أن يبلغه الله تعالى مراتبها.

وقد قال عز وجل: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَاۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾

فرغم أن هذه الآية قد نزلت في الشقاق بين الزوجين فهي أولى فيما هو أعم وأعظم، ومن المنطقي أن من لم يرد الإصلاح لن يناله ولن يبلغه ولن يصل إليه!

فإن توافرت النية الصالحة وإرادة الإصلاح والطريقة الصحيحة بلغ المجتمع مبتغاه في تحصيل خير الخيرين وتجاوز شر الشرين، وكسب صدق التعاضد والانتماء واحترام العالم.

إن انتخاب مجلس الشورى والتحول الى المشاركة الشعبية يحتاج في حد ذاته إلى شورى وإعداد لكي ينجح ويثمر، ولا يصلح أن تكون التجربة نسخا لتجارب أخرى ثبت فشلها، أو لا تصلح لتطبيقها عندنا لخصوصية بلدنا ومجتمعنا، وبناء على ما سبق فأرجو إعادة النظر فيما يلي:

١- تقسيم البلد الى مناطق كالبلديات، فمجلس الشورى ليس له علاقة بالخدمات؛ بل مهمته اعتماد التشريعات ومراقبة الأداء، ولذا الحوجة الى الكفاءات والتخصصات أوجب وأجدى؛ لكي تناقش التشريعات، وتفند الحيثيات، وتتصور الوقائع من زوايا مختلفة وذلك للحكم عليها، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، وإذا وجد العلم والدراية وجد الرأي الصواب، وهدي الناس إلى السداد، والرشاد.

٢- تعيين ثلث المجلس من قبل الحكومة يضعف المجلس إلى حد كبير، وفي بعض الدول امتلاك جهة ما لما يسمى بالثلث المعطل أجهض كل محاولات الإصلاح على مر سنوات!

٣- القبيلة ليست كيانا فاعلا في مجتمع حضري؛ لذا ليس من المصلحة اختيار النواب انطلاقا من عصبية قبلية غير فاعلة في الأصل، وقد يؤدي ذلك الى اختيار غير الأكفاء.

٤- البلاد الكبيرة والشاسعة قد تحتاج الى تقسيمات إدارية ومناطقية وعددية، أما البلاد الصغيرة في المساحة القليلة السكان المتجانسة ثقافياً فلا حاجة لتلك التقسيمات؛ بل هي ميزة ففي العادة تكون هذه المجتمعات يعرف بعضها بعضاً، وتنصهر مكوناتها في كيان واحد متماسك متعارف متعاضد.

٥- توسيع دائرة من يحق لهم الترشح والانتخاب الى أقصى حد ممكن يحقق الكثير من المصالح، ومن أهمها:

توافر العقول والكفاءات،

وقد قال ﷺ: – (إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً) متفق عليه

نسأل الله أن يكتب للبلاد والعباد ما فيه الخير والصلاح، إنه أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights