د. حاكم المطيري يكتب: طغيان أولياء الشيطان!
ما الأدلة العقلية أو العلمية التي يحتج بها المسلم على الملحد في إثبات وجود الشيطان أو الشياطين في الحياة؟ أم أن هذه الأسئلة وشبيهاتها لا تُناقش إلا بعد إثبات صحة الإسلام وبعد إثبات صحة المصدر، يتم الإيمان بكل ما أتى به؟
– لا يحتاج الشيطان إلى من يثبت وجوده! انظر فقط إلى الشر والفساد والطغيان الذي يصدر من بني الإنسان تدرك حقيقة وجود الشيطان! فما يفعله شياطين الإنس من فساد في الأرض وكفر يؤكد وجود شياطين الجن! وحال شياطين الإنس ينبئ عن حال أوليائهم من شياطين الجن، وهذه الحال كالمرآة تعكس صورة ما يتراءى لها، كما قال تعالى ﴿وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا﴾..
فالرهق حال حسية مشاهدة من الخفة والسفه والطيش والطغيان تعتري أولياء الشياطين وإن لم تر أسبابها، تماما كما العلل والأمراض النفسية التي ترى آثارها الحسية ولا تعرف أسبابها المادية، فلا يكون عدم إدراكها دليلا على نفي وجودها.
بل كل إنسان يعتريه رهق الشيطان ونفخه ونفثه وهمزه يشعر به في نفسه، فإذا ذكر الله واستعاذ به ذهب عنه ذلك كأنما نشط من عقال!
والاتصال بين الفريقين مباشرة يعترف به كل من مارس السحر والكهانة والشعوذة وتاب منها.
والشيطان من عالم الجن الخفي ﴿إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه﴾، وهو من عالم الغيب الذي غاب عن الحس – لا عن الوجود – كما عالم الملائكة والروح ﴿إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون﴾.
وحقيقة عالم الغيب لا تعرف إلا بالوحي والإيمان به ﴿هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب﴾.
وإنما يمكن للإنسان مشاهدة أثر عالم الغيب في عالم الشهادة، كما يدرك أثر الروح في حياته إدراكا يقينيا، ويشعر باتصالها حين النوم بعالمها الخارجي وعودتها إليه حين اليقظة، دون إحاطة بحقيقتها، ومعرفة كنهها، فهي سر الله في الوجود ﴿ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا﴾!
وكذا الملائكة والشياطين والجن من عالم الغيب الذي تُرى آثاره في عالم الشهادة، دون مشاهدته بشكل مباشر، كما يشعر الإنسان من نفسه بأنه يتنازعه داعيان للخير والشر، وأن سلوكه يتأثر بهذا الانجذاب إيجابا وسلبا، كما في الحديث الصحيح عند الترمذي وحسنه وصححه ابن حبان (إن للشيطان لمة، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر، وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليحمد الله، ومن وجد الأخرى، فليتعوذ من الشيطان، ثم قرأ: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء}).
واللّمّة هنا الاتصال والقرب من الإنسان، والقدرة على الإيحاء إليه والتأثير به، بحسب استجابته هو بإرادته لكل منهما، واختياره وميله لهما.
وإنكار الماديين لعالم الغيب لا يعني عدم وجوده! كما لا ينفي وجود الله الذي هو أظهر موجود في هذا الوجود! فأقصى ما يمكن أن يقال: الإنكار اعتراف بعدم العلم بالشيء وإقرار بالجهل به، ولا يمكن أن يكون علما في حد ذاته!
وتأمل مدى انبهار الإنسان باكتشاف عالم الشهادة والكواكب القريبة من الأرض كالطفل المبهور بما حوله! وتضاءل عالمه المعلوم وعلومه ومعارفه كلها عبر آلاف السنين وآلاف العقول أمام عالمه المجهول! مع أن كلاهما من عالم الشهادة والحس، فهو كالذرة في المجرة، فضلا عن عالم الغيب الذي هو وراء ذلك كله!