بحوث ودراسات

د. حلمي الفقي يكتب: صيام التطوع

الصيام هو الامتناع عن الطعام والشراب والشهوات بنية من طلوع الفجر الى غروب الشمس، وهذا هو الصيام فى الإسلام وفى كل الأمم قبل الإسلام، وأي صيام غير هذا فهو شريعة محرفة ومزورة قال تعالي ﴿فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ ٧٩ ﴾ [البقرة: 79]

والصيام عبادة تشحذ الهمم وتقوى الإرادة وتسمو بالنفس وترتقي بالروح وتغرس التقوى فى القلب لما فيها من مجاهدة الطبع وميول النفس الجارف لتلبية شهوة البطن والفرج فالصيام مجاهدة عنيفة للنفس ليتمكن المؤمن من امتلاك زمام نفسه واحكام السيطرة عليها قال تعالي {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]

فشرع الصيام لأهداف عديدة من أهمها مجاهدة النفس توطئة وتمهيدا لبناء نفوس تقية تقوى على مجاهدة أعداء الاسلام بالسنان والحسام واللسان

وليستقيم للمسلم صيام رمضان شرع الاسلام صيام النافلة تمهيدا لصيام رمضان فكان سلف الامة يستعدون لصيام رمضان قبله بست شهور، فان لم يتيسر استعدوا من شهر رجب فكانوا يصومون تطوعا لتهيئة القلب وتعويد النفس على استقبال رمضان بحب واشتياق، كما يقوم اللاعب بعملية احماء قبل بدء المباراة فالمسلم يقوم بعملية احماء قبل شهر رمضان ليتمكن من خوض مباراة الجهاد مع نفسه التي هي أعدى أعداءه، وليتمكن من تحقيق نصر حاسم على شهواته واهوائه في الشهر الفضيل.

وصيام النفل أو صيام التطوع مشروع طيلة ايام السنة عدا خمسة ايام فقط هي التي يحرم صومها وهي يومي العيدين وايام التشريق وهي الثلاثة ايام التي تلي عيد الأضحى، ويوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان اختلف الفقهاء في حكم صومه فقيل يجوز لمن له عادة في الصيام فوافق يوم الشك عادته في الصوم وقيل يكره وقيل يحرم.

ورغب الاسلام في صيام التطوع واعد الله عز وجل الثواب العظيم والخير الجزيل لمن صام تطوعا في سبيل الله تعالي ففي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «‌من ‌صام ‌يوما ‌في ‌سبيل ‌الله، بعد الله وجهه عن جهنم سبعين خريفا» متفق عليه.

وصيام التطوع كصوم الفريضة في الوقت والقدر والكيفية، ولا فرق بينهما الا في تبييت النية ولا اقول النية فالنية فريضة لازمة لا بد منها في كل عمل يعمله المسلم بل لا بد من النية في كل ما يأتي المسلم وما يترك حتي يثاب علي عمله، وأما تبييت النية وهو نية الصيام من الليل قبل الفجر فلا بد من نية الصيام قبل الفجر في صيام الفرض، وأما في صيام النفل فيجوز نية الصيام بعد الفجر قبل الظهر على راي الجمهور، بينما يري المالكية ان تبييت النية في النفل لا بد أن يقع قبل الفجر كصيام الفرض، وعند الحنابلة يجوز نية النفل في الفرض قبل الزوال وبعده شرط ان يقع قبل المغرب، واتفق الجميع على أنه لابد أن يكون على صفة الصائم من اذان الفجر والا يكون تناول طعاما او شرابا حتى تصح نيته ويصح صومه.

وصيام النفل نوعان:

1- النفل المطلق

فيمكن للمسلم ان يصوم أي يوم في العام عدا الايام التي يحرم صومها والتي سبق ذكرها، والايام التي يكره افرادها بالصوم وهى الجمعة والسبت والاحد فيكره قصد افراد هذه الايام بالصوم لكن يجوز صومها اذا وافقت يوم عرفة او عاشوراء او وافقت عادة له كمن يصوم يوما ويفطر يوما، وهو صيام داود وهو افضل صيام التطوع لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : (أَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللَّهِ صَلاةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا) رواه البخاري ومسلم ويشترط في الافضلية الا يضعفه عن عمل مطلوب منه لما جاء في الحديث الصحيح (كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلا يَفِرُّ إِذَا لاقَى) رواه البخاري ومسلم.

2 – النفل المقيد

ومنه المقيد بحال الشخص

، كالمقيد بحال الشاب الاعزب الذي لا يستطيع الزواج ويتأكد الاستحباب في حقه كلما تعرض للإغراء والمثيرات وذلك لحديث عَبْد اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري ومسلم.

ومن انواع صيام النفل المقيد بوقت:

ومنه الاسبوعي، ومنه الشهري، ومنه السنوي

فمثال الأسبوعي: صيام الاثنين والخميس من كل اسبوع، فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَرَّى صِيَامَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس) رواه النسائيِ وغيره، وسئل صلى الله عليه وسلم عن صيام يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ قَال: (ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) رواه النسائي وأحمد وغيرهما، وسُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ الاثْنَيْنِ فَقَالَ: (فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ) رواه مسلم.

ومثال الشهري

صيام ثلاثة ايام من كل شهر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ صَوْمِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَلاةِ الضُّحَى وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ) رواه البخاري ومسلم. وعن أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا صُمْتَ شَيْئًا مِنْ الشَّهْرِ فَصُمْ ثَلاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ) رواه النسائي، وابن ماجه، وأحمد

ومثال السنوي

له امثلة كثيرة منها:

1 – صيام أكثر شهر المحرم

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ.» رواه مسلم

2 – صيام أكثر الاشهر الحرم وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب

لحديث {صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ) رواه أبو داود

3 – صيام ستة ايام من شوال، لقول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) رواه مسلم.

4 – صيام يوم عرفة، وصيام يوم عاشوراء، ويوم عرفة هو يوم التاسع من ذي الحجة، ويوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر المحرم، لقوله صلى الله عليه وسلم: {صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ} رواه مسلم.

5 – صيام أكثر شهر شعبان عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلاً) رواه البخاري ومسلم.

ولمن اراد ان يصوم العام كله تطوعا فهذا جائز ومشروع بشرط ان يفطر الايام التى يحرم صومها وهي العيدان وايام التشريق، ويوم الشك على خلاف فى حكم صومه وقد ذكرنا اراء الفقهاء في حكم صوم يوم الشك، ويشترط أيضا لمن اراد ان يصوم العام كله الا يضعفه عن اداء عمل مطلوب منه.

والله تعالي اعلى واعلم، ونسأله سبحانه وتعالي الاخلاص والقبول

د. حلمي الفقي

أستاذ الفقه والسياسة الشرعية المشارك بجامعة الأزهر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى