د. خالد سعيد يكتب: سرتني الشام وأبكتني القاهرة
مالك يا أم البلاد وموئل العباد! هل أقنعوك بالخنوع للفساد! أولئك الفراعنة الذين بادوا، فهل جاءوا وعادوا!
كانت القاهرة هي الصوت والشام رجع صدى، فما الذي أبكمك وأخرس صوتك الحر وقد صدحت الشام بالأذان وزلزلت عروش الطغيان!
ما الذي أقفرك وقد كنت مائدة العالم! وما الذي أفقرك وقد كنت خزائن الأرض! وما الذي كسر رجليك فأجبرك على الركوع لغير الله، وقد كنت شامخة عزيزة!
ما الذي كلل وجهك بالكآبة والسواد، وفيك الأزهر وقد كنت زاهرة وقد كنت زهراء، وقد كنت ناعمة وقد كنت باسلة، وقد كنت فما عدت.
هلْ شيب مفرقك قدم السنين! هل أثقل كاهلك مائة هرم! هَل صلبت على جدران الزمن وسمرت بألف مسلة!
ولِمَ لم توقظك ألف ألف مئذنة تنادي باسم الله ليل نهار، وما الذي لطخ جدرانك البيضاء بالعار!
اُرجِعُ البصر فأرى في دمشق ما يسر القلب، وتحضرني مشاهد من رؤى حمص وذكرى معرة النعمان،
وتزحمني جحافل الفتح، والقادة والرجال ودابق وقتل الدجال، ومؤتة واليرموك، وغزوة تبوك.
ثم يرتد إليّ البصر خاسئاً وهو حسير إلى أم المدائن وزهرة العمران، وأصل التاريخ وأول الحضارة ومطلع الجمال،
وفرعون والأوتاد والسحرة وكثرة الفساد.
فهل يا ترى ترجع رايتنا منصورة، وهل تنطلق جحافلنا من الفسطاط فتصنع من جديد حطين وعين جالوت،
وهل نعبر المستحيل عبوراً مظفراً كأبطال أكتوبر لا عبور خاسراً كعبور فرعون؛ فنهزم التتر والصليبيين والصهاينة المجرمين!