مقالات

 د. خالد فهمي يكتب: الطوفان الجديد «1»

▪️ يقول رب العزة سبحانه وتعالى ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير﴾ [سورة الإسراء 17/1]

▪️ هذه الآية هي محور فهم الصراع بين الحق والباطل المتعين اليوم، الآية محور فهم الصراع بين «الإسلام» والصهيونية والصليبية!

الآية مكية، وهو ما يعني أن وضوح القضية عريق في الأمة، أصيل في نصوص المرجعية العليا التي تحكم رؤيتها للحياة والوجود وقضية عراقة مسألة الصراع بين الإسلام والباطل الذي يتجسد في بني إسرائيل قديما، وفي الصهيونية وريث بني إسرائيل -حديثا- مسألة إستراتيجية حاكمة لا يمكن أن تتقدم أمتنا في حركتها ونهضتها وتعليمها من دون استصحاب هذه المسألة.

▪️ الآية تبدأ بإعلان تنزيه الله الذي جلي القضية، وأبرزها للوجود الحي المعلن، والتنزيه حقيقة اعتقادية يلزم القيام بها نحو الله تعالى، وهذا هو المدخل المنطقي لفهم قضية «القدس»، والارتباط بالقدس والأقصى من متممات التوحيد الآية تقرر أن واحدا من أظهر أسس الإيمان هو الاعتقاد في منزلة القدس، والمسجد الأقصى، وأن محبتهما، والتعلق بهما، والتشوق إليهما، والعمل من أجل عمرانهما، والتخطيط والجهاد من أجل تحريرهما ركن من أركان تصديق الله، وتصديق وحيه، وتصديق نبيه، والحفاوة بسيرته المعطرة صلى الله عليه وسلم.

الآية تقول إن معجزة الإسراء تجعل لفلسطين حقا، وتجعل للقدس حقا، وتجعل للأقصى حقا.

الآية تقول إن الرب المنزه تجلى فأسرى بعبده من المسجد الحرام قبلة المسلمين الدائمة الباقية، إلى المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى وثالث ثلاثة مساجد هي أقدس مقدسات المسلمين.

الآية تلوذ بمن التي للابتداء في قوله ﴿من المسجد الحرام﴾ والمسجد الحرام بقعة مباركة محررة غير مدنسة بعدو محتل، والآية تلوذ بإلى قوله تعالى ﴿إلى المسجد الأقصى﴾ وهى لانتهاء الغاية، وهو ما يجعل الآية نصا في الأمر بتحرير الأقصى ليكون تمام جغرافية مقدسات المسلمين في الحرية والخلوص من دنس الاحتلال، وهو الأمر الذي استوعبته الأمة زمان التنزيل، فوجه النبي صلى الله عليه وسلم جيش المسلمين إلى مؤتة، ثم استوعبته الأمة زمان الصديق فكان أول عمل استراتيجي في خلافته هو إنفاذ بعث أسامة لتحرير فلسطين، ثم استوعبته الأمة زمان خلافة عمر بن الخطاب وذهب بنفسه فاتحا محررا المسجد الأقصى من احتلال الرومان، متسلما مفاتيح بيت المقدس، ثم تراجعت الأمة واحتل الصليبيون فلسطين فنهضت الأمة للأمر واستوعبت مراد الله في تحرير القدس وتحقق للمسلمين بقيادة صلاح الدين ذلك بعد تسعة عقود تقريبا من الاحتلال الصليبي، والأمة اليوم مأمورة أن تستوعب سر إقران الآية بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى وتتحرك لتحرير المسجد الأقصى وبيت المقدس أو عموم فلسطين ، وهو حاصل يقينا إن شاء الله.

الآية ترشح أمرها بتحرير القدس بسوق مسوغات ذلك، في قوله تعالى ﴿الذي باركنا حوله﴾ و«البركة» في المعجمية القرآنية عمران، وثمار وجداول، وأنهار، والبركة في المعجمية القرآنية تاريخ من النور، متجسد في المقدسات، وقبور الأنبياء، والصالحي، ودماء الشهداء من الصحابة والتابعين وسلف الأمة الصالح وخلفها الذي سار على النهج فلم يغير ولم يبدل.

والبركة في الآية فيض الله التي أسكنها هذه الأرض المقدسة، ﴿الذي باركنا حوله﴾ في الأجرومية النحوية «نعت» لكنه ينهض بوظيفة التعليل، الآية تأمر بالتسوية بين المسجدين في إقامة الحرية وجلبها إلى المجال، وتعلل الأمر بذلك بأن الله بارك حول المسجد الأقصى، وهى بركة حالة غير متحولة، قائمة دائمة غير مترحلة ولا مفارقة بدليل المجيء بفعل البركة جملة صلة حاضنة للاسم الموصول، وبدليل مجيء فعل البركة ماضيا، والماضي دليل التوكيد والبقاء والدوام.

الآية الكريمة ترصد أثر المسجد الأقصى بما منحه الله عبده قديما من الانتصار للدعوة وتثبيت الدين في الأرض.

الآية تقول ﴿لنريه من آياتنا﴾ وقد أراه، وانتصر الله وانتصر نبيه بتوظيف الإسراء والمعراج ومحورهما تلك البقعة المباركة.

الآية المباركة تشير إلى استحقاق المسلمين بفلسطين لأن الإسلام نمي البركة في الأرض المباركة، وعمل على عمرانها على الدوام، وشيد مبانيها وشق جداولها، وأثمر شجرتها، وكثف ثمرتها – والآية المباركة تفضح توحش العدو المحتل، وهمجيته، وخسته لأن يكذب تكذيبا عمليا حكم الله الذي بارك القدس، فجاء العدو فدمر عمرانها، وهدم مبانيها، وحرق ثمرها، وقصف مساجدها وكنائسها، ومدارسها، واستعمل توحشه فحرق أهلها، وأوغل في قتلهم بكل طريقة بشعة متوحشة.

الآية الكريمة تعالن بتجلية فارق ما بين الإنسانية الزاكية التي ترعى الإنسان وتبارك الأرض وتنمي ثمرتها وتحفظ شجرتها وتعطف على حيوانها وكل ذلك في وصف الذين آمنوا بقدسية القدس، وبركة المسجد الأقصى وهم المسلمون وبين الوحشية والهمجية والوضاعة التي تقوم على التدمير والتهديم والتحريق، والتقتيل، والتمثيل بالقتلى، والتشفي المريض الجبان بتمزيق الأحياء من الأطفال والنساء والرجال والعباد!

الآية الكريمة تعلن أن المحك الحقيقي لقياس الإيمان في قلوب المسلمين هو التعاطف والتصديق والعمل لأجل صيانة الأرض المباركة

والآية تعلن أن المحك الحقيقي لقياس إنسانية البشرية اليوم هو التداعي لصيانة تاريخ النور في هذه الأرض المقدسة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى