مقالات

د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: زهر البستان

كنتُ قد بدأتُ العمل منذ عدة سنوات في مشروع علمي ضخم يتعلق بالقرآن الكريم، يتمثّل في مؤلَّف كبير، قد يستغرق العُمُر كله، وقد ينتهي العُمُر ولا ينتهي، أسأل الله تعالى أن يبارك في أعمارنا..

وقد أسميته لُغة القرآن أتناول فيه المواد اللغويّة -أو الجذور- في القرآن الكريم كله مادّةً مادّة؛ أتعرّض لكل ما ورد في القرآن الكريم من اشتقاقات هذه المادة اللّغويّة -أو جذر الكلمة- حسب ترتيب المعاجم اللغوية المعروف؛ من الألف إلى الياء، مبرزًا تصرّف النّصّ القرآني الكريم في استخدام المادة اللغوية أو جذور الكلمات.

فمثلا مادة (أ ن ي) على سبيل المثال:

يُقال: أني الطعام أنيًا. أي: نضج. كما في قول الله تعالى: ﴿إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه﴾

ويُقال: أني السائل. أي: بلغ غاية الحرارة فهو آن. كما في قول الله تعالى: ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾

ومؤنث آنٍ: آنية. كما في قول الله تعالى: ﴿تُسقى من عين آنية﴾.

والإناء: الوعاء والجمع: آنية. كما في قول الله تعالى: ﴿ويطاف عليهم بآنية من فضة﴾.

ويُقال: أَني الشيء أو الأمر. أي: قرُب ودنا وحان. كما في قول الله تعالى: ﴿ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله﴾.

والأَنْي والإنْي: الجزء من الوقت أو بعض ساعات الليل، والجمع: آناء. كما في قول الله تعالى: ﴿يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون﴾.

وأَنّى: ظرف مكان. كما في قول الله تعالى: ﴿نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم﴾ أو بمعنى كيف كما في قوله تعالى: ﴿قلتم أنى هذا﴾ أو بمعنى متى أو من أين؟ كما في قوله جلّ وعلا: ﴿فأنى يؤفكون﴾.

وهكذا..

وقد بدا لي -واضحًا- أن البحث يتحسّن مسلكي فيه كلما تقدّمت فيه، ويظهر لي مناحي وإضاءات جديدة كلما مضى الوقت وتقدّم البحث، فارتأيت أمرين:

أولهما: أن أبحث في التفسير الاشتقاقي بوجه عام، فاخترت كتاب تفسير صفوة البيان لمعاني القرآن للشيخ حسنين مخلوف رحمه الله نموذجًا للدراسة، فاستخرجت كلّ ما فيه من التفسيرات الاشتقاقية فزادت عن الألفين وأربعمائة موضع، وقد صدرت الدراسة في كتاب بعنوان: في التفسير اللغوي للقرآن (التفسير الاشتقاقي) تأكّد لدي بعد الدراسة أهمية واعتماد التفسير الاشتقاقي كنوع مهم من أنواع التفاسير.

وأما الأمر الآخر الذي ارتأيته أيضا: فهو الحصول على درجة علمية أكاديمية في هذا النوع من التفسير كنموذج أحتذيه في مشروع لغة القرآن الذي قد يستغرق العُمُر كله، فتقدّمت ببحث للجامعة الإسلامية بمنيسوتا جعلته محصورًا في دراسة مائة مادة أو مائة موضع اخترتها من تفسير صفوة البيان لتفسير من أول سورة البقرة؛ وذلك حتّى لا يكون لي مأرب في اختيار هذه المائة موضع، جعلته بعنوان: (التَّفسيرات الاشتقاقيَّة في تفسير صفوة البيان لمعاني القرآن للشيخ حسنين مخلوف رحمه الله دراسة تطبيقيّة على مائة موضع من سورة البقرة) ليكون صمام أمان لي بين يدي كتاب لُغة القرآن وضابطًا للمنهج العلمي فيه قدر الإمكان. وقد حصلت به -بفضل الله- على درجة العالمية (الدكتوراه) يتقدير ممتاز، فلله وحده الفضل ونسأله التوفيق للتمام واستكمال المشروع الكبير؛ لُغة القرآن.

فعنوان البحث الذي بين يديك الآن هو عنوان ذلك البحث الذي تقدّم ذكره، ومُنحتُ الدرجة العلميّة بناء عليه.

وقد وضعتُ له اسم (زَهْرُ البُسْتَان مِن لُغة القُرْآن) كنوعِ تخففٍ من أسلوب عناوين البحوث الأكاديمية، وتشويقًا لقارئه، معتمدًا رؤيا رأيتُها بعد أن أنجزت البحث؛ وإني لأرجو أن تكون رؤيا صالحة، وقد كانت هذه الرؤيا على أثر وساوس في النفس تدور حول: ماذا ستضيف بمشروعك هذا أو رسالتك تلك؟ هل سيفيد الناس من مشروعك هذا الذي تؤمله؟ ما ثمرته المرجوّة؟ نسأل الله أن لا يحرمنا الأجر والثواب. فرأيت وأنا نائم بستانًا أو حقلًا كبيرًا من النبات أرى أوّله من ناحيتي ولا أرى آخره، يُعرض عليّ الحقل الكبير في الرؤيا كأنه لوحة فنية بديعة؛ اخضرار نباته الجميل المتساوي في الطول والحجم لم أره من قبل، وفي جزء يليني من هذه النباتات التي تملأ الحقل الكبير المعروض على كأنه لوحة فنية؛ بهذا الجزء الذي يليني من النبات زهور بديعة لم أر جمالها وبديع ألوانها من قبل، كأنهم مائة نبات عليها مائة زهرة، أُلقي في روعي وأنا في المنام أنها مائة، وإن لم أعدّها! وقد استيقظت من نومي وأنا مشاهد لتلك اللوحة وذلك الحقل البديع. ولذلك أسميته (زَهْرُ البُسْتَان مِن لُغة القُرْآن) والذي سيُطبع قريبًا إن شاء الله، أسأل الله أن ينفع به. كما نسأله تعالى أن ينسأ في العمر حتى أنتهي من لغة القرآن الذي هذا زهر بستانه.

والحمد لله أوّلا وآخرًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى