د. سعيد إسماعيل يكتب: عندما استقال مدير الجامعة
كان رئيس الوزراء المستبد إسماعيل صدقي قد طلب من الدكتور طه حسين أول ثلاثينيات القرن الماضي أن يرأس تحرير جريدة أزمع إصدارها مما يسيل له لعاب كثيرين، لكن طه رفض أن يكون بوقا للسلطة، فكان قرار بنقل طه موظفا بوزارة المعارف(التربية)، فهل سكت مدير الجامعة على هذا؟
تحرك أحمد لطفي السيد مدير الجامعة في ذلك الوقت فقدم استقالته التي نشرتها جريدة (السياسة، العدد 2745، في الجمعة 11 مارس 1932)، حيث جاء فيها:
هليوبوليس في 9 مارس سنة 1932
إلى حضرة صاحب المعالي وزير المعارف العمومية..
أتشرف بإخبار معاليكم أنى أسفت لنقل الدكتور طه حسين عميد كلية الآداب إلى وزارة المعارف، لأن هذا الأستاذ لا يُستطاع فيما أعلم أن يعوض الآن على الأقل، لا في الدروس التي يلقيها على الطلبة، ولا في محاضراته العامة للجمهور، ولا في جهة هذه البيئة العلمية التي خلقها حوله وبث فيها روح البحث الأدبي وهدى إلى طرائقه.
أسفت أيضا على هذا النقل الفجائي لأن الدكتور طه حسين أستاذ في كلية الآداب تنفيذا للعقد الذى تم بين وزير المعارف وبين الجامعة القديمة، ثم أسفت أشد من ذلك كله لأن نقله على هذه الصورة التى تم عليها بدون رضاه وبدون رضا الجامعة، كما جرت عليه التقاليد المطردة منذ نشأتها فيما أعرف؟ كل ذلك يودى بالسكينة والاطمئنان الضروريين لإجراء البحوث العلمية، وهذا بلا شك يفوت على أجل غرض قصدت إليه من خدمة الجامعة.
من أجل ذلك قصدت إلى حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء واستعنته على هذا الحادث الجامعي واقترحت عليه تلافيا للضرر من ناحية، واحتراما لقرار وزير من ناحية أخرى، أن يرجع الدكتور طه إلى الجامعة أستاذا لا عميدا، خصوصا وأنه هو نفسه قد ألح علىّ في أن يتخلى عن العمادة من أكثر من شهر فلم أقبل.
تقبل دولة الرئيس هذا الاقتراح بقبول حسن وأكد لي أنه سيشتغل منذ الغد بهذه المسألة، وفعلا قد اشتغل بها، وما زال في الأخذ والرد فيها، حتى علمت الآن أن اقتراحي غير مقبول، وأن قرار النقل نافذ بجملته وعلى إطلاقه.
ومن حيث أنى لا أستطيع أن أقر الوزارة على هذا التصرف الذي أخشى أن يكون سُنة تذهب بكل الفروق بين التعاليم الجامعية وأغيارها..
أتشرف بأن أقدم بهذا إلى معاليكم استقالتي من وظيفتي…