د. عبد الرحمن زكي حمد يكتب: حرائق أمريكا والفقه السَّمج
يقول البعض أنَّ ما يحصل في أمريكا هي ظاهرة طبيعية لا علاقة للانتقام الإلهي بها، ولا يحق لكم الفرح بشيء لم تفعلوا فيه شيئا، ولا يجوز الشماتة بهم، والمطلوب منكم العمل لا الفرح والشماتة.
بدايةً نُقرِّر أن الإعداد للجهاد واجب الوقت وكل وقت، وأن المشاركة في المواجهة والمعارك الحالية والقادمة واجبة،
وأن الإنجاز الأعظم والأجمل في قهر الكافرين هو ما يأتي بتوفيق الله بعد سعي العبد وإعداده واستفراغ وسعه.
ولكن لا تعارض بين هذا الأمر وبين من يفرح بهذه الحرائق ويرى فيها انتقام الله للمظلومين وتقريعه للفجرة المعتدين، وبيان ذلك من عدة وجوه.
الله هو الخالق والمسبب والمدبر
أولا/ لا يوجد شيء اسمه ظاهرة طبيعية بذاتها، فالله هو الخالق والمسبب والمدبر لكل ظاهرة في الكون، وله سننٌ تجري في الكون ولا تحابي أحدا، وهو الذي يسلط جنده على من يشاء، قال تعالى:
(وَلِلَّهِ جنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) سورة الفتح:٧،
وقال تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ جنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُو) سورة المدثر:٣١، وإن من سنة الله عز وجل في كونه أنه يملي ويمهل الظالم حتى يظن الظالم أنه تمكّن ولا يقدر عليه أحد،
فإذا بلغ الظالم مداه في غيّه وفجوره أخذه الله بغتة، فهذا فرعون قتل ودمّر وطغى وتجبر
(فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ* فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ* إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ) سورة النازعات٢٤ـ٢٦، وفي هذه السُّنة قال تعالى:
(حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون) سورة يونس:٢٤،
وقال صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري ومسلم:
(إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يمْلِي لِلظّالِمِ، فإذا أخَذَهُ لَمْ يفْلِتْهُ، ثمَّ قَرَأَ: وكَذلكَ أخْذُ رَبِّكَ، إذا أخَذَ القرَى وهي ظالِمَةٌ إنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدٌ).
نفرح بتدبير الله وإمداده ومعيته
ثانيا/ لا تعارض بين أن نسعى ونعد ونقاتل وندعم ونمد ونساند، وبين أن نفرح بتدبير الله وإمداده ومعيته في إهلاك الكافرين،
كما فرح واستبشر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب بردِّ وإهلاك الكافرين بالريح التي قلعت خيامهم وقلبت قدورهم وردّتهم خائبين بقوة الله.
ثالثا/ لقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الكفار يوم الأحزاب بأن يحرق الله أجسادهم وبيوتهم وقبورهم بالنار كما آذوا المسلمين وأشغلوهم عن الصلاة،
جاء في صحيح الإمام البخاري من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
(كنَّا مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الخَنْدَقِ، فَقَالَ: مَلَأَ اللَّهُ قبُورَهُمْ وبيُوتَهُمْ نَارًا، كما شَغَلُونَا عن صَلَاةِ الوسْطَى ـ صلاة العصر- حتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ)،
وفي رواية الإمام مسلم عن ابن مسعود قال صلى الله عليه وسلم: (مَلَأَ الله أَجْوَافَهُم وقبُورَهم نَارًا، أَو حَشَا الله أَجْوَافَهُم وَقبُورَهُم نَارًا).
أمريكا من دول الكفر المحاربة للإسلام
رابعا/ أمريكا من دول الكفر المحاربة للإسلام، بل هي رأس الكفر والشر في العالم، فهؤلاء كفرة محاربون،
ودولتهم ونظامهم وجيشهم مشارك مشاركة فعلية في حرب المسلمين وخاصة في حرب غزة،
بل لولا أمريكا ما صمدت إسرائيل شهرا، فهم داعمون لهم بسلاحهم وأموالهم وتجارتاهم ومنتجاتهم وإعلامهم
وتأييدهم الشعبي والسياسي وقدراتهم التقنية والتكنولوجية وما لا يخطر على بال.
خامسا/ -ومع الأسف- ليتنا سمعنا مثل هذه الأصوات الدافئة على الكافر، في حق إخواننا وأهلنا الذين يقتلون ويحرقون في قصف الخيام يوميا في غزة، ورآهم العالم على البث المباشر،
وليتها خرجت حنية قلوب هؤلاء على إخوانهم المسلمين كما يفعلون مع الكفار،
يقبع أحدهم تحت حذاء حاكمٍ فاجرٍ ظالمٍ للعباد ومضيعٍ للبلاد وموالٍ للأعداء ومغيبٍ للعلماء،
ولا يتجرأ أن يتفوه بكلمةٍ في بيان الحق في ذلك، ثم يطلق لسانه في الأماكن الناعمة يدافع فيها عما يتعلق بأسياده وأولياء نعمته،
ألا شاهت وجوههم وخرست ألسنتهم البائسة العفنة.
اللهم اشدد وطأتك على كل من عادى الإسلام
وختاما ندعو مبتهلين: اللهم اشدد وطأتك على كل من عادى الإسلام وآذى المسلمين وساند الاحتلال الهمجي في قتل أهلنا في غزة وتدميرها وحرق من فيها،
اللهُم حرّق قلوبهم وصدورهم وبيوتهم وأموالهم، واشف صدور قوم مؤمنين،
اللهمّ إن النار جندٌ من جندك، فسخّرها على أعداء دينك ومحاربي أوليائك،
واقض بها على الكفار المحاربين والطغاة المجرمين، وكل من تآمر على المسلمين.
والحمد لله رب العالمين