ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: قصة الملك الصالح ذي القرنين
قال لي صاحبي: أريد اليوم أيضا أن أفهم (قصة ذي القرنين) كما وردت في القرآن والفوائد التي فيها، مثلما فعلنا أمس في قصة موسى والخضر عليهما السلام، وقد وعدتني أمس بذلك…
قلت له: حاضر… لك ذلك، حُبّا وكرامة…
إن الله تعالى قصّ علينا قصة هذا الملك الصالح ذي القرنين في سورة الكهف عقب قصة موسى والخضر مباشرة في ١٦ آية؛ من الآية ٨٣ حتى الآية ٩٨.
فافتح معي المصحف كما فعلنا بالأمس…
– يسألك (أيها الرسول) المشركون واليهود على وجه الامتحان لك عن خبر الملك الصالح المكنى بذي القرنين، فقل لهم: سأتلو عليكم من خبره قبسا تعتبرون به وتتذكرون به وتتعظون منه.
– إن الله جل وعلا مكن لهذا الملك الصالح في الأرض، وأعطاه من كل شيء يتعلق به مطلوبه، طريقا يتوصل به إلى مراده.
– فأخذ هذا الملك الصالح بما أعطاه الله من الوسائل والطرق للتوصل إلى ما يريد، فاتجه غربا؛ جهة غروب الشمس.
– سار هذا الملك الصالح حتى وصل إلى نهاية الأرض من جهة غروب الشمس، فرآها كأنها تغرب في عين حارة ذات طين أسود، ووجد عند مغرب الشمس قوما كفارا، فقال الله سبحانه له في شأنهم: أنت مخير فيهم؛ إما أن تعذب هؤلاء القوم بالقتل أو بغيره، وإما أن تحسن إليهم.
– فقال الملك الصالح الملقب بذي القرنين: أما من أشرك بالله وأصر على ذلك فسنقتله، ثم يرجع إلى ربه يوم القيامة فيعذبه عذابا شديدا.
– وأما من آمن بالله تعالى وعمل صالحا فله الجنة؛ جزاء من ربه على هذا الإيمان والعمل الصالح، وسنقول له قولا حسنا فيه لين ويسر.
– ثم اتجه الملك الصالح ذو القرنين إلى طريق غير طريقه الأولى متجها جهة شروق الشمس.
– وسار الملك الصالح حتى إذا وصل إلى الموضع الذي تطلع عليه الشمس، فوجد الشمس تطلع هناك على قوم ليس لهم ما يقيهم من الشمس من بيوت وظلال الأشجار ونحو ذلك.
– ذلك هو أمر ذي القرنين، وقد أحاط علم الله جل وعلا بما عند ذي القرنين من القوة والسلطان والإمكانيات.
– ثم اتجه الملك الصالح إلى طريق غير الطريقين الأوليين، بين المشرق والمغرب.
– وسار الملك الصالح حتى وصل إلى مكان بين جبلين، فوجد من قِبل هذين الجبلين قوما لا يفهمون كلام غيرهم من البشر.
– فقال هؤلاء القوم للملك الصالح: يا ذا القرنين إن أمتين عظيمتين من بني آدم اسمهما يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض، بما يفعلون من قتل وتخريب، فهل نجعل لك راتبا أو مالا معينا، مقابل أن تجعل بيننا وبينهم حاجزا بما أعطاك الله من إمكانيات.
– فقال الملك الصالح ذو القرنين: إن ما رزقني الله وأعطاني من الملك والسلطان خير لي مما ستعطونني من المال، لكن أعينوني برجال منكم وآلات لكي أقيم بينكم وبينهم هذا الحاجز الذي طلبتم.
– وقال لهم: أحضروا لي قطع الحديد. فلما أحضروها جعل يبني بها بين الجبلين، حتى إذا ساواهما بالبناء قال لمن يعملون معه: أشعلوا النار على هذه القطع من الحديد. حتى إذا احمرت قال: أحضروا لي نحاسا أصبه عليه.
– فما استطاع يأجوج ومأجوج أن يصعدوا عليه لارتفاعه، وما استطاعوا أن ينقبوه لصلابته ومتانته.
– ثم قال ذو القرنين: هذا السد رحمة من الله ربي، حيث يحول بين يأجوج ومأجوج وبين إفسادهم في الأرض ويمنعهم منه، ولكن إذا جاء الموعد الذي حدده الله لخروجهم قبل يوم القيامة، سواه بالأرض، وتسوية السد بالأرض وخروج يأجوج ومأجوج وعد ثابت لا يخلف، فوعد الله حق.
هذه يا صاحبي قصة ذي القرنين كما فهمتها من كتاب الله… فما رأيك؟ هل فيها شيء صعب يستعصي على الفهم؟ …
قال: لا والله… ولكن، ما الفوائد التي فيها كما وعدتني؟
قلت: خذ عندك؛ من الفوائد التي في قصة ذي القرنين:
– هذا الملك الذي أعطاه الله ملكا وسلطانا عظيما فملك الأرض كلها وسيطر على أهلها جميعا، كان يحرص على إنجاز الأعمال ابتغاء وجه الله وشكرا لله، بما منحه الله الحكمة والهيبة والعلم النافع.
– من واجبات الملوك والحكام أن يقوموا بحماية الخلق، وحفظ معايشهم وبيوتهم وإصلاح ثغورهم.
– المشاركة المجتمعية في الأعمال الجبارة من مشروعات وإنجازات تسعد النفوس، وتذهب العجب والكبرياء ونسبة النجاح لشخص واحد مهما أوتي من إمكانات شيء خطأ.
– الأخذ بالأسباب والنشاط والضرب في الأرض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا والسعي فيها من أسباب التمكين والنجاح.
– جواز استحباب السؤال والاستفسار عن المجهول، أو عند عدم فهم موضوع ما.
– تصدي العالم والداعي المتمكن لإجابة أسئلة التحدي والمواجهة بأيسر وأسهل العبارات.
– الجواب يكون على قدر السؤال لا الخوض في التفاصيل.
– التخصص في المعارف والعلوم ونشر ذلك بين الناس.
– نشر أصول الحضارة في كافة بقاع الأرض ليعم الخير الجميع، لا أن يحتكر في مكان ما.
– السياحة في الأرض ولقاء الأقوام يؤدي إلى تلاقح الأفكار والخبرات والاستفادة من بعضهم البعض.
– لا حكم إلا بقانون، لا بمجرد الشك أو الانتقام فيحكم بهوى النفس.
– التمكين لا يأتي بمجرد العلم والادعاء بالخير والإصلاح؛ بل لا بد من ابتلاء وامتحان يختبر فيها صدق الإيمان.
– للتمكين أسباب فمتى وجدت الأسباب كان التمكين في الأرض وقيادة الأمم.
– اتخاذ مبدأ الشورى في صنع القرارات وخاصة المصيرية.
– اختيار أهل الشورى من أهل العلم والاختصاص.
– تعظيم الشخصيات المتميزة والتي لها دور في المجتمع بإعطاء الألقاب التشجيعية لهم.
– مساعدة الفقراء والمحتاجين والضعفاء وتفقد أحوالهم، وخاصة من قبل الحاكم الذي هو خادم لشعبه.
– اتخاذ السجون لسجن المفسدين والظالمين إلى أمد، وحجبهم عن المجتمع.
– على الحاكم العادل إعطاء أكثر مما يستحقه الشعب.
– طلب القوم سدا فبنى لهم ذو القرنين ردما وهو بناء أعظم من السد وباشر العمل فيه بنفسه.
– على الحاكم أن يتحلى بصفات الصبر والحلم والأناة، إلى جانب العلم والمعرفة فذو القرنين كان له علم معارف عديدة منها السياسية والجغرافية والصناعية والهندسية إلى جانب فنون التعامل مع الآخرين.
– على الحاكم العادل أن يبعد المفسدين عن مواقع المسئولية والسلطة، لكي لا يأتوا على أموال الفقراء والضعفاء والمحتاجين، فيعم بذلك الفساد ويكون في كل شيء.
– وجود دول أو جماعات لا تفقه من الحياة شيء، ولا تملك أي وسيلة للتفاهم.
– السعي إلى فض النزاعات وحل المشكلات نهائيا من دون تأخير أو تأجيل.
– الابتعاد عن الكيل بمكيالين في التعامل.
– عملية استخلاص الحديد وصهره ما زال يستخدم إلى الآن وطريقة النفخ بالهواء من أسفل الفرن بعد وضع المواد الأولية فيه.
– إعطاء ذو القرنين دروس حضارية شاهدة إلى يوم القيامة على أنه إذا صلح الرأس صلح باقي الجسد في السياسة وإدارة الحكم.
– الاهتمام بجميع جوانب الحياة كان على رأس أولويات ذو القرنين.
– نزول الحاكم إلى مستوى الشعب والالتصاق بهم عن قرب لشعور الناس بأنه واحد منهم لا يستعلي عليهم.
– على الحاكم محاربة الظلم والجهل أينما وجد ويتابع ذلك بنفسه بكل جد وإخلاص.
– اتخاذ دستور لإدارة الحكم لا يخرج عنه.
– عنصر الحديد المنصهر مع القطران (النحاس) يعطيان تركيبة قوية جدا لا تتأثر بالزلازل والعوامل البيئية، لها صلادة عالية جداً.
– وضع دعائم الصناعة التي بها تتقدم الأمم وتزدهر.
– نشر العلم والمعرفة بين الناس مع نشر أصول العقيدة وخاصة الآخرة من دون مقابل.
– القضاء على البطالة وتشجيع العاطلين على العمل مع إيجاد فرص عمل جديدة باستمرار.
– تصدير الخبرة إلى أماكن أخرى من دون مقابل.
– أخذ الحاكم بمشورة حاشيته والاستماع إلى كلامهم بكل رحابة صدر.
– ربط الأعمال كلها بمشيئة الله سبحانه وتعالى.
فقال صاحبي: كل هذه فوايد من القصة؟
قلت: هذا وزيادة عليه تجده مسطورا في الكتب التي تناولت ذلك الموضوع بالبحث والدراسة.
فاللهم انفعنا بالقرآن وبما فيه من الحكم الباهرة والعظات النيرة… ونور به حياتنا وشفعه فينا يوم القيامة يا رب العالمين.