أقلام حرة

عادل الشريف يكتب: «وهمّ بها.. لولا»

ولقد ماتت العجوز لولا أن حضرت عربة الإسعاف.. هل ماتت العجوز أم لم تمت، هل منعت لولا موتها، أم أكد موتها لام التوكيد وتحقق موتها بـ«قد» التي دخلت على الفعل الماضي لتحققه بعد توكيد..

الإشكالية أن معظم المثقفين يحاكمون القرآن بقواعد اللغة، مع أن العكس هو المفروض تاريخاً ومنطقاً، فالقرآن ديوان اللغة كما كان بن عباس يجتهد في تفسير غرائب ألفاظ القرآن بالرجوع إلى الشعر قائلا (الشعر ديوان العرب / كما سجل ذلك نافع وبن الأزرق في مقدمة كتاب (معجم غريب القرآن)،

إضافة أنه حتى منتصف القرن الثاني الهجري لم تكن هناك قواعد محددة ومدونة لقواعد نحو العربية حتى خشي بن الأسود الدؤلي على لغة القرآن من تحريف الناطقين في عصره عندما قالت له ابنته (ما أجملُ السماء)،

فأجاب: نجومها، فقالت ما لهذا أردت بل أردت أن أتعجب من جمال السماء، فقال إذن تقولين: ما أجملَ السماء بفتح اللام وليس بضمها، ثم عرض الأمر على أبي جعفر المنصور الذي انتدبه لتسجيل قواعد منظمة لنحو لغة القرآن بمرجعية القرآن وحجيته.

وكما أن تفسير القرآن يعتمد اللغة العربية كمصدر ثالث لاجتهادات التفسير والتدبر حيث المصدر الأول هو القرآن ذاته حيث يفسر بعضُ القرآن بعضَه كما في تفسير كلمة الأعمى في سورة الإسراء بأنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، والمصدر الثاني للتفسير هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم..

لذلك فلعل صاحبكم يحرز قصب السبق في استلهام الفارق بين الهمّ والفعل الذي يليه والذي منعه رؤية برهان ربه من حديث النبي الذي يُفرّق بين الهم والفعل كما في المقال السابق عن السورة.

لقد انبهر عبد القاهر الجرجاني بفتوحات الله على العلامة سيبويه وسجل إشادته بعبقريته في كتابه دلائل الإعجاز حين خرج سيبويه عن الأزمنة المألوفة للأفعال لما أراد تصنيف الأفعال (غفر / الله لكم)، (يرحم / الله أباك)، (رب/ اغفر وارحم)، فليس الفعل غفر فعلا ماضياً، ولا الفعل يرحم مضارعاً، ولا الفعلين اغفر وارحم فعلي أمر، فتصانيف سيبويه أن الفعل (غفر / على مثال الماضي وليس فعلا ماضياً)، والفعل (يرحم / على مثال المضارع وليس مضارعاً)، والفعلين (اغفر وارحم / على مثال الأمر وليسا فعلي أمر فمن يأمر الله؟)، وليس كذلك فحسب ولكن أيضاً إشكاليتي الفعلين (يُقتل، يُرجم) في حديثه صلى الله عليه وسلم (قاتل النفس يُقتل، والزاني المحصن يُرجم)، فهذان الفعلان تجدهما مفتوحي الزمن ومعلقين ومشروطين فلذلك قال عنهما سيبويه أيضا أنهما على مثال المضارع المبني للمجهول وليسا مضارعين بالطبع.. لماذا جررت إخواني إلى هذه الزاوية؟ فقط لكي أدلل على ضرورة تجاوز القاعدة اللغوية إذا أصدمت بمراد النص القرآني أو الحديث القدسي أو الشريف لحجتيهما على القاعدة اللغوية وليس العكس.

وبهذه المناسبة فلقد سجلت عند كتابتي عن سورة الفاتحة أن اسم الله (الرحمن) على وزن (فعلان) وسجلت أن فعلان صيغة مبالغة، وهذا قولي وحدي وليس قول النحاة فلقد سجلوا خمس صيغ للمبالغة ليس منها صيغة فعلان، فلقد أثار عجبي قبل نحو ثلاثين سنة وقد ساق الله اسميه الرحمن الرحيم مترادفين في أول الفاتحة بعد بسم الله وبعد الحمد وما أدراك ما الحمد لأمة الحمد، فإذا كان الرحيم على وزن فعيل وهو من صيغ المبالغة فكيف لا يكون الرحمن على وزن فعلان لتكون فعلان صيغة مبالغة أيضاً، وتكون فعلان صيغة مبالغة موقوته، صيغة فعيل دائمة لصيقة، فقولنا فلان جوعان فإذا أحضرت له لقيمات أكلها وانفض عنه الجوع، وفلان نعسان فإذا استغرق في النوم ولو لعشرة دقائق انصرف عنه النعاس، وكذلك اسم الله الرحمن ففاعلية الاسم بالنسبة للمستخلفين موقوتة وزمنه من قبل الخلق بإعداد الهداية ثم الخلق ثم مستلزمات فترة الاستخلاف كاملة من فاعليات رحمانيته تعالى فمن فاعلية اسم الرحمن يأكل الكافر والمجرم ويتمتعا ربما أكثر من أهل الإيمان (الرحمن. علم القرآن. خلق الإنسان. علمه البيان……) وحتى تمام إنجاز الحساب فإذا دخل أهل النار، النار، ودخل أهل الجنة، الجنة لزمهم اسمه تعالى الرحيم لصيقا بهم خالدا معهم يتمتعون بفاعلياته في جنة الخلد (ورحمتي وسعت كل شيء. فسأكتبها للذين يتقون….)،

ولذلك جاء الاسمين مرة بعد بسم الله التي تعد آلة رفع الأعمال إلى الله، فتكون فاعلية اسمه الرحمن بتوفيق العبد إلى صحة العمل وإخلاصه طوال زمن استخلافه، وبعد قبول العمل الذي رفعته رافعة (بسم الله / كل عمل لا يبدأ باسم الله فهو أبتر) وبعد وزن العمل في ميزانه يوم القيامة يحل الدور على اسم الله الرحيم لصحبة الجنة وخلوده وتنعمه فيها..

ولقد صاح في وجهي اثنان من الناس أحسبهما متخصصيْن في اللغة العربية كلما قلت أن فعلان صيغة مبالغة، فإذا قلت أنا أراها لصالح التفسير الدقيق لاسم الله الرحمن هكذا، فيسألانني: ومن أنت، وأراهما معذورين فأنا عادل بن الشريف وليس بن سيبويه أو الزمخشري أو الجرجاني، مع أن والدي يرحمه الله كان عاشقا للغة ومبحرا فيها وفسر لي ما لم أجده في كتب التفسير في آية سورة الفتح (ومن أوفي بما عاهد عليهُ الله) بضم هاء (عليهُ) وليس بكسرها في معهودات الجر والإضافة وذلك كما قال رحمه الله (لتعظيم لفظة اسم الجلالة لمقام المعاهدة حيث ينبغي تعظيم شأن طرفي التعاهد حال المعاهدة ولله المثل الأعلى طبعاً).

أرجو أن أكون قد وفيت البيان في ذات المسألة قبل أن نطالع إن شاء الله عجائب (برهان ربه)..

في أمان الله وعفوه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights