عامر شماخ يكتب: موجز تاريخ الانقلابات العسكرية العربية [3/ 3]
لقد فضحت ثورات الربيع العربي وما خلّفته من زخم من المحيط إلى الخليج، عمالة السلطات العربية المستبدة -التي جاءت على غير رغبة شعوبها- لأمريكا والغرب؛ حيث جرى تحويل قادة كثير من البلدان العربية ليصبحوا جزءًا من شبكة واسعة لتحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة، وجاءت الإطاحة بمن جاءوا بانتخابات ديمقراطية لرفضهم تحقيق تلك المصالح..
ومنذ أول انقلاب عسكري جرى على أرض عربية وحتى آخر انقلاب كان للغرب الكلمة الأولى والأخيرة فيه، وربما أعلن العسكر العداوة للجهة الممولة الآمرة بانقلابهم لمجرد دغدغة المشاعر الوطنية، والحقيقة أنهم مدينون لهذه الدولة أو تلك بالدعم والمساندة.
إن افتقار الانقلابيين إلى الشرعية يدفعهم إلى السماح بالتدخل الأجنبي في بلدانهم، والتنازل عن سيادة دولهم، وربما السماح لقوى خارجية بالتخطيط الكامل لحكوماتهم، وتقديم مصالح الداعم الأجنبي على مصالح بلادهم، فعسكر مصر مثلاً اشتروا أسلحة بعشرات المليارات لا طائل من ورائها وتنازلوا عن غاز المتوسط لشراء رضا الأوربيين، ثم تنازلوا عن حصتنا في النيل لكسب ود الصهاينة والأمريكان، ثم تنازلوا عن جزيرتي تيران وصنافير لإرضاء الممول الخليجي..
وفي السودان وُقِّعت اتفاقياتٌ سرية من خلف ظهر الشعب تعطي الحق لروسيا في إقامة منفذ بحري على البحر الأحمر لخدمة مصالحها العسكرية في مقابل الاعتراف بانقلاب 2021 ودعم قادته.. وقائمة التنازل وبيع مقدرات البلاد لحسم صراع السلطة وجني مصالح شخصية للعسكر تطول وتطول. وتُلاحظُ عُقدة النقص تلك في بيانات الانقلابيين الأولى التي دائمًا ما تخاطب الخارج، مؤكدة –صراحة- على حفاظها على مصالحه، والالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات التي عقدها من قبل مع بلده.
ومن يراجع البيان رقم (1) لكل الانقلابات العسكرية العربية يجده نسخة واحدة، مع اختلاف في الصياغة، لكنّ العناصر والمحاور واحدة؛ دليلاً على فساد النية وغباء العقلية الانقلابية؛ فجميعهم يؤكدون أنهم اضطروا لذلك حرصًا منهم على سلامة البلاد وحفاظًا على نظامها السياسي، ولقطع الطريق على (المتآمرين) على كرامة الأمة، وأنهم تسلّموا زمام الأمور في البلاد حقنًا للدماء، وحماية للأموال والأعراض..
ويؤكدون دومًا أنهم ليس لديهم أدنى رغبة في حيازة سلطة أو انفراد بحكم، وإنما رغبتهم التي قاموا من أجلها هي استقرار البلاد وتهيئة حكم ديمقراطي سليم، مدفوعين بغيرتهم الوطنية، متألمين لما آلت إليه الأوضاع. وما إن ينجح الانقلاب وتستقر لهم الأوضاع حتى يتناسوا ما ورد في هذا البيان، فالديمقراطية التي وعدوا بعودتها رجسٌ من عمل الشيطان، بل هم الذين وأدوها يوم اغتصبوا الحكم، ولن تعود أبدًا ما بقوا في السلطة.
خلّفت الانقلابات العسكرية في بلادنا كوارث لا حصر لها؛ فإن ما نعانيه من تخلّف حضاري راجع بالأساس إليها؛ فالدولة التي يتعرض نظامها المنتخب لسطو مسلح لا ترقى بعدها لمرتبة الدولة، إنما تصير «دولة قزمة» أو«شبه دولة»؛ لأنه إذا كانت الدولة هي الأرض والشعب والنظام الذي يحكم هذا الشعب، فإن المنقلبين قضوا على ضلعين من ثلاثة هما: الشعب؛ بعدم الاعتداد برأيه واعتباره غير موجود، والنظام السياسي؛ باستبداله بسلطة طاغية لا تُسأل عما تفعل..
إنهم جميعًا –أي الانقلابيون- لا يملكون رؤية سياسية، ولا يسمحون بإقامة نظام سياسي عادل، بل يضعفون عمدًا المؤسسات الديمقراطية، ولأنهم لا يتعرّضون للمساءلة فإنهم ينتهكون حقوق الإنسان ويسفكون الدماء دون رقيب أو حسيب، ولأنهم لا يملكون أيضًا رؤية اقتصادية فإن بلدانهم سرعان ما تعاني الركود والتضخم، ثم البطالة والفقر، ثم التحوّل من بلد منتج مساهم في الاقتصاد العالمي إلى بلد مقترض يتسول الفتات من الآخرين.
على عاتق كل وطني حرٍّ، في زمن ثورة الاتصال الحديثة، عبء التصدي لهذه الجريمة المعادية للإنسانية، وهذا يتطلب بيان حُرمتها، وفضح القائمين بها، وشرح آثارها الكارثية على الشعوب التي اُبتُليت بها، ولا شك أن هذا يتطلب مزيدًا من بثّ الوعي لدى جماهيرنا العربية، ومزيدًا من تحميس الجماهير الغربية ضد صُنّاع ومخططي هذه الجريمة، والتي يحتاج منعها إلى قرار عالمي يمنع المنقلبين من الوصول إلى النظام المالي الدولي، وكذلك حكوماتهم ومن يدعمونهم.