عن ضربة إسرائيل المرتقبة لإيران ورسائل الطمأنة المتبادلة
مصطفى عبد السلام
بعثت إسرائيل وإدارة بايدن برسائل طمأنة للأسواق العالمية ومنها سوق النفط في حال توجيه ضربة مرتقبة للمواقع العسكرية الإيرانية، وهو ما دفع أسعار الخام للتراجع. ولو تعاملنا بجدية مع ما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست” يوم الاثنين من أن بنيامين نتنياهو أبلغ واشنطن والرئيس جو بايدن بأن إسرائيل ستضرب أهدافاً عسكرية إيرانية فقط، وأنها لن تستهدف المنشآت النووية والنفطية الإيرانية، نكون قد رسمنا مؤقتاً صورة سريعة لنوعية الضربة الإسرائيلية المرتقبة، وأنها ستركز على أهداف عسكرية استراتيجية بحتة قد تكون منها منصات إطلاق صواريخ، وقواعد جوية وبحرية، ومواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني، وأنظمة الدفاع الجوي المتنقلة، ومواقع الصواريخ الباليستية في مناطق عدة، منها أصفهان وتبريز وخرم أباد وكرج وأراك.
وهذا يعني أنّ سيناريوهات استهداف جيش الاحتلال منشآت استراتيجية وحيوية واقتصادية حساسة أخرى في إيران هو أمر مستبعد حتى اللحظة، وفي مقدمة تلك المنشآت، البرنامج النووي الإيراني ومحطات تخصيب اليورانيوم، وقطاع النفط والغاز بكلّ فروعه؛ من مواقع استكشاف وإنتاج وتنقيب، وموانئ تصدير، ومحطات تكرير طاقة، وغيرها.
أيضاً تم مؤقتا استبعاد استهداف تل أبيب البنية التحتية الإيرانية من محطات إنتاج كهرباء ووقود ومياه وطرق ومواصلات واتصالات، وأيضاً الموانئ، وأبرزها ميناء بندر عباس، وهو أحد أكبر الموانئ وبوابة إيران للتجارة البحرية، وميناء الإمام الخميني الحيوي في منطقة الخليج، وكذا المطارات، ومنها مطارا الإمام الخميني الدولي ومهر أباد، وهما المطاران الاستراتيجيان اللذان يخدمان العاصمة طهران.
ومع تأكيد الإدارة الأمريكية الأخير أنّ هدف إسرائيل هو ضرب المواقع العسكرية الإيرانية وليس غيرها، ترسل واشنطن وتل أبيب عدة رسائل طمأنة للأسواق والاقتصاد العالمي والمستثمرين، وتحاول امتصاص القلق الذي سيطر على الجميع في الفترة الماضية وكانت من بين ملامحه حدوث ارتفاعات في أسعار النفط ومشتقات الوقود والمعادن والذهب والمعادن وتراجع في بورصات المنطقة وهروب للأموال.
الرسالة الأولى
موجهة لسوق النفط الذي بات حساساً تجاه الحرب الحالية في المنطقة، ومضمونها أن المواجهة الإيرانية الإسرائيلية المحتملة ستكون “مهندسة”، ولن تخرج عن السيطرة، ولن تستهدف قطاع النفط والطاقة الحيوي في إيران، وبالتالي لن تخرج إيران من سوق النفط العالمي بالغ الحساسية، بخاصة أنها لاعب رئيسي بإنتاج يومي يزيد عن 3.6 ملايين برميل، ولن تتأثر صادرات الدول النفطية المطلة على الخليج، ومنها إيران والعراق ودول مجلس التعاون، والتي تغذي العالم بأكثر من 26 مليون برميل يومياً تشكل نحو 25% من إجمالي الطلب العالمي، وأنّ مضيق هرمز سيظل مفتوحاً أمام حركة تجارة النفط العالمية، ولن تقدم طهران على إغلاقه طالما أنّ إسرائيل لن تمس قطاعها النفطي والنووي، وأن الضغوط التي مارستها دول الخليج على واشنطن لمنع إسرائيل من ضرب المنشآت النفطية الإيرانية قد كللت بالنجاح.
وهذه الرسالة مهمة وصلت بالفعل إلى قطاع الطاقة العالمي، وأكبر دليل هو انخفاض أسعار النفط في الأيام الأخيرة، وتراجع أسعار العقود الآجلة للنفط خلال تعاملات أمس الثلاثاء بنسبة تزيد عن 3%، عقب نشر التقارير التي تقول إن إسرائيل مستعدة لعدم استهداف المنشآت النفطية الإيرانية، وأن نتنياهو تعهد للإدارة الأمريكية بذلك.
الرسالة الثانية
موجهة للاقتصاد العالمي وحركة التجارة الدولية، وهي أن دائرة الصراع في الشرق الأوسط لن تمتد للممرات المائية المهمة ومنها الخليج العربي وباب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس، وبالتالي فإن حركة التجارة لن تتأثر في حال ضرب مواقع عسكرية إيرانية. كما أن جماعة الحوثي لن تصعّد هجماتها ضد حركة السفن الأمريكية والغربية في حال عدم توسيع تل أبيب رقعة المواجهة مع طهران.
الرسالة الثالثة
هي أنّ المخاطر الجيوسياسية في المنطقة ستكون محصورة في تداعيات الحرب الحالية بين إسرائيل والمقاومة في فلسطين ولبنان، وأنها لن تمتد إلى حرب إقليمية تتورط فيها طهران وتل أبيب في مواجهة مباشرة. وهذه رسالة طمأنة مهمة للمستثمرين حول العالم خاصة الذين يستثمرون أموالهم في منطقة الشرق الأوسط أو أسواق مرتبطة بها.
هذه الرسائل الثلاثة قائمة على تأكيدات الإدارة الأمريكية وتصريحات نتنياهو الأخيرة بعدم استهداف إسرائيل المنشآت النووية والنفطية الإيرانية، لكن المشكلة الحقيقية أنه لا أحد يثق في مجرم حرب وقائد أقذر حرب إبادة جماعية في التاريخ الحديث هو نتنياهو الذي يكذب على الجميع بمن فيهم شعبه وحكومته ومجلس حربه.
والتصريحات الأخيرة سواء الأمريكية أو الإسرائيلية والخاصة بشأن تحييد النفط الإيراني عن المعركة الجارية ربما تكون حقيقية للمحافظة على هدوء أسواق الطاقة خاصة قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وربما تأتي من باب المراوغة والخداع رداً على الجانب الإيراني الذي مارس أيضاً سياسة الخداع عندما أعطى سكوته عقب اغتيال إسماعيل هنية وحسن نصر الله انطباعاً بأنه لن يوجه ضربة لإسرائيل رداً على اغتيال قادة حماس وحزب الله وفيلق القدس، وأنه يفضل سياسة التأني الطويل التي دأبت عليها الجمهورية الإسلامية في السنوات الأخيرة.