الأمة الثقافية

فوائد لغوية

“كذلك نسلكُه في قلوب المجرمين”

” كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ”

ضمير المفعولية في “نسلكه” لا يعود على صريح من اللفظ سابقٍ، ولكنه يعودُ على منتَزَع من السياق، والتقدير، نسلكُ في قلوب المجرمين حالةَ تَكذيبِ الرُّسُل والاستهزاءِ بهم فحال المُجرمين كحال المُكذِّبين الذين أنكروا عند السماع وكذّبوا الرُّسَلَ.

وفي الآية الثانية: سلكنا في قلوبِ المجرمينَ ما سلكْنا في قلوبِ الأعجمين الذين كذَّبوا بالذّكرِ لَمّا قُرئَ عليهم

فقد انتُزِع اللفظُ المحال عليه الذي أشارَ إليه الضميرُ في “نسلُكُه” و”سَلَكْناه”، والمجالُ المُنتَزَعُ منه هو الآية التي قبل هذه، وهي قولُه تعالى: “وما يأتيهم من رَسولٍ إلا كانوا به يَستهزئونَ”، وقوله في الآيَة الأخرى: “وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ.

والانتزاعُ أداةٌ لغويّةٌ بَلاغيّةٌ من أدوات الإحالة الدقيقة، ووسيلة من وسائل المطابقة للمراد.

ـــ

تنبيه: ليسَ المرادُ بالسلوكِ ههنا سُلوكُ الذّكرِ في قُلوبِهم، سُلوك الذّكرِ غيرُ مرادٍ هنا لأنّه مجرّد سماعٍ، والكلّ يَسمعُ الذّكرَ ومنهم مَن يسمعُه سَماعَ قَبولٍ ومنهم مَن يسمعُه سَماعَ كفرٍ وإنكارٍ، المرادُ بالسلوكِ ههنا سُلوكُ إنكارِ الذِّكْرِ لا الذّكر ذاته، المرادُ نَفاذُ الإنكارِ ودُخولُه في القلوبِ، فالمسلوكُ حالةٌ سلبيةٌ معيّنةُ.

د. عبد الرحمن بودرع

(مجمع اللغة العربية – مكة)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى