فوائد لغوية: الفرق بين (نيات) و(نوايا)
النيات : جمع نيّة معلنة ومنَفّذة.
النوايا: جمع نيّة مضمرة أي لا وجود تطبيقي عملي لها.
وهذا فرق دلالي بين (نيات) و(نوايا) لا يصحّ تجاهله في استعمال أي من اللفظتين.
المجمع أجاز (نوايا) حملا على (طوايا) التي هي جمع (طوية) زاعما أنها ترتبط بكلمة (نيّة) في الدلالة (أي في المعنى).
فليسمحوا لنا بتقديم هذه الملاحظات:
أولا: شتان بين أصل النية وتطوراتها وأصل الطوية وتطوراتها. تقول: نوى فلان السفر، ونوى أخوه صياما، ولا تقول: طوى فلان السفر وطوى أخوه صياما. وتقول: طوى فلان ثيابه طيّا وطويا وطوية، ولا تقول: نوى فلان ثيابه، نية ونويا ونويّة. والطوية لا تعني النيّة. تقول: رأيت في طوايا الكتاب كذا وكذا، فهل يصح أن تقول رأيت في نوايا الكتاب؟ وكثيرا ما نقرأ: لقد طوى قلبه على سره الخطير، ولم يُبده لأحد. فهل هذه نيّة؟
وثانيا: ذكر معجم لسان العرب كلمة (نوايا) جمع نيّة. وكان بإمكان المجمعيين الاكتفاء بهذا من غير حاجة لقياس لا حقيقة له في اللغة.
وثالثا: لم يناقشوا حجة من قال بالتخطئة فإذا لم تُسقط الخطأ كيف تثبت الصواب؟
فلننظر بحجة التخطئة:
قالوا: إن (نوايا) جمع (نواة) مثل نواة التمر لا جمع (نيّة) والذي في الحديث (النيات) في (إنما الأعمال بالنيات). فيُمنع قول (نوايا) في جمع (نيّة).
ولكننا لم نجد وجها لهذا القياس. فالنواة والنيّات من جذر لغوي واحد. لا تتعجب. فالنية التي ينتويها المرء مستقرة في عزمه وتصميمه كما تستقر النواة في التمرة. انتقال من المادي إلى المعنوي.
ومنه: نوى الشيء وانتواه: قصده واعتقده. والنيّة والنوى: الوجه الذي ينويه المسافر من قُرب أو بُعد (مجمل اللغة 4/359-360). ومن حكم بالخطأ على الجمع نوايا لأنها جمع نواة، فعليه مآخذ نذكر منها مأخذين:
* إذا كان (نوايا) خطأ لأنه جَمْعُ (نواة) فإن كلمة (نوى) في (نوى فلان السفر) مثلا ستكون خطأ لأنها، أيضا، جمع (نواة) مثل: نوى التمر.
* فاته قول العرب: نويتُ نيّة ونواةً، أي عزمتُ. فالنواة تدل على نوى التمر، وتدلّ على النيّة. فلمّا صحّ جمعها على نوايا، في دلالتها على نوى التمر، فلماذا يمنعون نوايا في جمع (نيّة) وها هي أمامهم؟
على أننا يجب أن نذكر أن ثمة فرقا بين نيات ونوايا بالرغم من كونهما جمعا لـ(نيّة). وكان على المجمع المذكور أو غيره أن يشير إلى ذلك الفرق. جمع النيّة له دلالة خاصة بكل جمع:
أ- النيات: ما تظهر بالعمل. تنوي أن تسافر وأن تزور صاحبا لك وأن تحسن إليه، وتنفذ نيتك، كما تنوي للصلاة مثلا. فبعض المصلين ينويها لله، وبعض آخر يؤديها نفاقا. وهكذا تكون (إنما الأعمال بالنيات).
ب- النوايا ما لا يظهر في العمل. تنوي أن تسافر وأن تزور صاحبا لك وأن تحسن إليه، ثم لا تفعل ذلك، فتبقى نوايا، إلى أن تخرج إلى التطبيق فتتحول إلى (إنما الأعمال بالنيات) وأيضا: (على نياتكم ترزقون) أي إخراج نية الخير إلى العمل فتتحول من نوايا إلى نيات. وعلى تنفيذ تلك النية تُرزقون.
أما أن تنوي الخير ولا تنفذه، فمسألة أخرى.
هذا باختصار… وشكرا لمن سأل ولمن سيتواصل برأي أو حوار.
إنه تمرٌ لذيذ فتفضلوا وإن كان صورة.
———————–
د. هادي حسن حمّودي