محمد إلهامي يكتب: القرآن الكريم يُجيبك
من ملذات الدنيا ونعيمها أن تجد في القرآن الكريم جواب سؤال كان يحيرك، أو كنت منه في شك.. وهي لذة توقن معها أن القرآن الكريم كنز لا ينفد، وكثيرا ما يعجب المرء -إذ يُفتح عليه بالمعنى- كيف أنه لم ينتبه إليه من قبل مع شدة وضوحه، ومع أنه يحفظ الآية منذ قديم.
حتى لوددت أن لو سجَّل كلّ مشتغل بالقرآن الكريم أمثال هذه الأمور، فإنه يعمّ النفع بها!
من ذلك مثلا:
(1)
كنت وصلتُ بالبحث والمقارنة إلى أن اليهود لا يتحكمون بالعالم كما هو شائع في الأوساط الإسلامية، والصحيح أنهم أقرب إلى أن يكونوا “جماعة وظيفية” بتعبير المسيري، فهم ذراع الغرب الصليبي ويده وأداته، وهم مقهورين للغرب لا يخرجون عن إرادته.. حتى وجدت هذا المعنى في قول الله تعالى:
– ضربت عليهم الذلة إينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وضربت عليهم المسكنة
– إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا (وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة).. قال المفسرون: الذين اتبعوك من اليهود والنصارى، والذين كفروا بك وهم اليهود
(2)
يخبرنا التاريخ أن القوة السياسية التي تملك تحريك الجيوش وأجهزة الأمن هي أقوى وأرفع من القوى الاقتصادية المالية.. ولكن في عصر الرأسمالية هذا شاع لدى كثيرين أن المال هو من يتحكم بالسلطة، وأن السياسة هي مرآة مراكز القوى الاقتصادية.. وأن حكام العالم على الحقيقة هم أصحاب الأموال والشركات الكبرى العابرة للقارات.
وبقي هذا الموضوع مثار جدل ونزاع بين الناس.. حتى وجدت هذا المعنى في قصة فرعون وقارون، فمع أن قارون كان أغنى من فرعون وأكثر منه مالا، إلا أن فرعون كان هو اليد العليا القاهرة عليه، ولذلك ترك قارون قومه وانحاز إلى السلطة {إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم}
ولا نجد صراعا في قصة موسى مع قارون إلا مرة أو مرتين، بينما الصراع كله مع فرعون الذي يملك الجيوش والأجناد وشوكة الدولة.
(3)
إذا طال بك الجلوس مع من يعتقدون في تأثير السحر والجن، دخل إلى نفسك أن هذا العالم تُحركه قوى الجن والسحر، فكم من جيوش خسف بها بفعل ساحر، وكم من مفاوضات فاز بها الذين استعانوا بالجن، وكم من دجال مشعوذ تنبأ للرئيس أنه سيكون رئيسا يوم أن كان سجينا أو مطاردًا.. وهكذا.
وهؤلاء القوم الجدال معهم صعب، فإنهم يحدثونك عن أمور خفية لا يمكن الإمساك بها لا بالإثبات ولا بالنفي.. مع أنه يُقبض على السحرة أحيانا ويمكثون في السجون ولا يستطيعون انفلاتا، ولكن أنصار هذه الأفكار يخبرونك أنهم إنما خرجوا بعد ذلك بقدرتهم في السحر وبقدرتهم على الاتصال بالجن التي أبطلت الأدلة وأخفتها.. وهذا لو صحّ فهو حجة عليهم لأنه يثبت أنهم غير قادرين على الانفلات من السلطة القائمة في الواقع.. وهذا ما تتضرر به سمعة الجن والسحر على الجملة، إلا أن لهم في كل قصة مخرجا أو ظنًّا.
حتى كانت صبيحة يوم أقرأ فيه سورة طه، والتي أحفظها منذ الصغر، وأنتبه لأول مرة أن صفوة السحرة في قطر مصر لم يستطيعوا أن ينفلتوا من فرعون، فلقد جيئ بهم ليخدموا السلطة، ولما تمردوا عليها صلبهم فرعون وقطعهم وقتلهم ولم يستطيعوا أن ينقذوا أنفسهم.. فكان دليلا لا يقبل الشك على حقيقة قوة السحر والجن في واقع الحياة.
(4)
مما يشغل المجالس أيضا ويزيد الخلاف فيه: أثر الضعف الاقتصادي في سقوط النظام السياسي..
وقناعتي التي تكونت من التاريخ ابتداءًا أن الأنظمة لا تسقط بالضعف الاقتصادي، وأن السلطة ما دامت قوية فهي قادرة دائما على البقاء رغم ما هي فيه من الهزال الاقتصادي.. فهي بقوتها العسكرية والأمنية قادرة على الاستيلاء على الموارد، وعلى زيادة الضرائب، وعلى ابتكار الحلول، ولو كان هذا الابتكار في غاية الوحشية.. وفي عالمنا المعاصر نرى دولا تؤجر أراضيها لدفن النفايات النووية، ودولا تضع مرضاها كتجارب لدى شركات الأدوية لتجربة العقاقير الجديدة، بل ورأينا أنظمة تتاجر في المخدرات.
ثم وجدت هذا المعنى في قوله تعالى {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يرجعون}.. ومع شدة ما نزل بقوم فرعون من الشدة والجدب لم يسقط نظامه، وإنما سقطوا حين أهلكهم الله بالغرق: فرعون وجنده!
وفهم هذا المعنى يؤثر في فهم الواقع، وفي طريقة المقاومة..
ولا يعني هذا أبدا التقليل من أهمية المال والاقتصاد، فهو عصب الحياة، وفيه قال تعالى {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما}، وإنما موضع الكلام هنا هو: أيهما يتقدم على الآخر ويؤثر فيه: المال أم السلاح!