أقلام حرة

محمود الشاذلي يكتب: العمر لحظة

غريبٌ هو العمر، ذلك الرقم الذي نراه مكتوبًا على أوراق الهوية، والذي يشير إلى مرور السنين، لكنه في الحقيقة لا يعكس حقيقة الإنسان.

نحن نعيش في عالم يتسارع فيه الزمن، ومع مرور كل يوم، نكتشف أن العمر لا يُقاس بعدد السنوات التي عشناها، بل بتجاربنا، وتعلمنا، ومرونة أرواحنا. فكلما نظرنا حولنا، نجد أن العمر لا يمكن اختصاره في رقم واحد.

غريبٌ هذا العمر…

تجد رجلًا في الأربعين، لكن بينه وبين أربعيني آخر سنوات ضوئية في التجربة والحياة.

“ذاك لديه ثلاثة أولاد بعضهم تزوج، وهذا لا يزال لديه طفل في الخامسة من عمره”.

في كثير من الأحيان، نركز على فكرة أن الشخص في الخمسين قد انتهت رحلته، وأن الشخص في العشرين ما زال أمامه طريق طويل. لكن، في الحقيقة، العمر ليس مجرد السنوات التي مضت.

فها هو شاب في العشرينات يخطط لحياته ويضع الأحلام أمامه، ثم تفاجئه النهاية، وشيخٌ في الثمانين ما زال يتنفس الأمل.

عجيبٌ هذا العمر…

حين ننظر إلى الحياة من زاوية الأرقام فقط، سنجد أنها تبسط الأمور بشكل غير عادل. الشاب الثلاثيني الذي بدأ شركته الخاصة وأصبح الآن صاحب عمل قد يكون في نفس الوقت هو المسؤول عن رجل يتجاوز الخمسين يعمل لديه.

قد تتوقع أن الرجل الذي في الخمسين هو من يمتلك الخبرة والنضج والحكمة التي تميز أصحاب الشركات،

لكن الواقع قد يكون مختلفًا تمامًا. هذا الشاب الثلاثيني قد لا يملك العمر الطويل،

لكنه يمتلك من الشجاعة والطموح ما يمكنه من أن يصبح رائد أعمال بينما الآخر قد يظل في مكانه دون تغيير.

هذه المفارقة بين الأجيال هي مثال قوي على أن العمر ليس مجرد أرقام، بل هو مرآة للتجارب والفرص.

العمر والتجارب الروحية:

القرآن الكريم هو خير مثال على العمر الذي لا يتحدد بالسنوات. تجد في بعض الأحيان أطفالًا في سن مبكرة يختمون القرآن كاملاً،

بينما قد يشتكي البعض في أواخر العشرينات من عدم قدرتهم على حفظ القرآن.

ذلك لأن العمر الروحي، أو العمر الذي يرتبط بالنمو الروحي والتعليمي، يختلف تمامًا عن العمر البيولوجي.

نجد أن الشخص الذي يعمل بجد ويسعى لتحقيق أهدافه الروحية أو التعليمية قد يحقق تقدّمًا ملحوظًا رغم تقدمه في العمر.

دخول الإسلام في أعمار متقدمة:

عندما نتحدث عن العمر والتجارب، لا بد من الإشارة إلى أن التاريخ الإسلامي يقدم لنا العديد من الأمثلة التي تثبت أن العمر ليس حاجزًا أمام الإنجاز والتغيير.

ففي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، دخل العديد من الأشخاص الإسلام في أعمار متقدمة، ولكنهم أحدثوا فارقًا كبيرًا في الأمة الإسلامية.

ها هو الصحابي الجليل أبو بكر الصديق، الذي أسلم في سنٍ متقدمة، كان له دور عظيم في دعم الدعوة الإسلامية.

وأصبح أول خليفة للمسلمين بعد وفاة الرسول، وأحدث تغييرًا كبيرًا في تاريخ الأمة الإسلامية لا أحد منا يجهله.

لا تدع العمر يقيدك. فكما رأينا، هناك من بدأوا متأخرين في الحياة، لكنهم تركوا في التاريخ ما لم يستطع الزمن أن يمحيه.

“لو كانت الحياة مجرد أرقام، ما كانت البدايات الكبيرة تبدأ في سنوات متأخرة. فالعمر الحقيقي هو ما تصنعه، مهما كان الرقم.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى