حاتم سلامة يكتب: الفقير الذي أغناه الله
حينما تسمع عن فقير شديد الفقر قد أغناه الله وفتح عليه من نعيمه.. فإنك تعتبر وتتعجب، وتعد هذا من مدهشات الدنيا وأعاجيب الزمن.
لقد كنا نسمع ونقرأ كثيرا عن إحسان الشيخ الشعراوي وبره بالفقراء والمساكين في كل مكان، كان الشيخ يملك أموالا طائلة يطرحها ذات اليمين وذات الشمال على كل فقير محتاج.
وحينما هاجمه الكاتب والأديب يوسف إدريس فيما مضى، كان مما انتقده فيه قوله: “إن الدولارات تملأ خزائنه دون حساب” وأنت هنا لا تعرف هل يحسده إدريس على ما رزقه به الله سبحانه، أم أنه يثير حوله شبهة جمع المال من مصدر مشبوه؟!
والمدهش في حياة الشيخ الشعراوي أن المال الذي يأتيه حسب ما قيل من كتبه وإذاعاته قد وزع الكثرة الكاثرة منه على الفقراء والمساكين والمنشآت العلمية والمجمع الكبير الضخم الذي يشمل الثقافة والطب والعبادة في قريته دقادوس، وكذلك الموائد والتبرعات التي لا تقف عند حد، ولو أن يوسف إدريس وطنيا صادقا محبا لشعبه، لمدح الشيخ الشعراوي على بذله هذه الثروة الطائلة للمواطنين، ولقام فدعا الأغنياء أن يقلدون ويحاكوه ولكن الحقد قد أكل قلب الرجل ويريد أن يثير حولة أي شبهة تنال منه.
وبعيدا عن هذه المعركة دعونا نتعرف على الشيخ الشعراوي كيف كان وكيف بدأ وكيف كانت حياته قبل هذه الثروة العظيمة.
هل تعتقد أن الشيخ قد ولد كما يقولون وفي فمه ملعقة من الذهب؟
أبدا والله لقد كان هذا الرجل العالم الموسر، من أشد الناس فقرا وضيقا في الحياة والمعاش حتى فتح الله عليه أبواب الرزق وأغناه.
دعونا إذن نتعرف على حاله قبل أن يوسع الله عليه حتى يكون لنا فيه عبرة عظيمة.
عانى الشيخ الشعراوي كثيرا وهو طالب أزهري، كما عانى معه والده الذي تحمل عنه كل شيء، وحينما تخرج وعمل مدرسا في معهد طنطا كانت معاناته أشد، لأن أولاده قد كبروا وزادت العباء عليه.
لقد تخرج في كلية اللغة العربية عام 1941م، ولما عين مدرسا كان راتبه 10 جنيهات، وكان يسكن في بت إيجاره 2 جنيه، ولم تكن الجنيهات الثمانية المتبقية تكفي لسد حاجته وأولاده.
حتى أنه بلغ به الحال من شدة ضيق ذات اليد، أن كان له صديق صاحب مطعم من بلدته دقادوس، وكان يمده بكل ما يحتاجه من مال على سبيل الدين، وكان يقترض منه المال شهريا لسد احتياجاته ، حتى تراكم هذا الدين وصار 355 جنيها وهو مبلغ كبير بحساب الزمن وقتها.
يقول الشيخ: وبمرور الأيام اشتدت معناتي وازداد قلقي، وحدث ذات ليلة أن جافاني النوم، وجلست مهموما أفكر.
ولاحظت أمي أنني سهران على غير العادة، وأن قلقي وهمومي انعكسا على وجهي، فاقتربت مني وربتت على كتفي وقالت في حنو بالغ: مالك يابني؟ لماذا أنت سهران؟ لماذا لا تذهب لتنام؟
فقلت لها وأنا حزين:
الهموم كثيرة يا أمه.. تعبان وقلقان، والمعيشة صعبة والعيال عايزة مصروف، والديون زادت عليه.
وصعبت عليها فطبطبت علي وقالت في حنان :
يابني انت لك رب اسمه كريم، قوم نام وأنا حادعيلك، وقمت ونمت.
وفي الصباح جاءت أمي لتوقظني وهي تنادي علي بصوت مفعم بالفرحة.
قوم يا بني قوم
فقلت لها: خير يا أمه؟
قالت أنا رأيت لك في المنام رؤيا حلوة
قلت: خير إنشاء الله
قالت: رأيتك وأنت شايل قفة مليانة فلوس!
قلت لها وأنا أضحك:
إيه التخريف ده.. هيا الفلوس بتتشال في قفة؟
قالت في استنكار من ردي عليها:
هي الرؤيا فيها كذب؟ أيوه قفة مليانة فلوس.
وضحكت وقلت: كتر خيرك.
ثم يشاء الله أن تتحقق الرؤيا بعد ذلك وأن أدخل على أمي وأنا أحمل قفة فلوس.
وكان ذلك حينما سافر إلى المملكة العربية السعودية ليعمل في كلية الشريعة عام 1950م وحينما استلم راتبه ثلاثة شهور مقدما وكانت النقود بالفضة موضوعة في شيكارة، وأخذها وذهب إلى والدته بها وذكرها بما رأت سلفا وقبل يديها فابتسمت لتحقيق رؤيتها.