د. حلمي الفقي يكتب: فوائد البنوك أسوأ من ربا الجاهلية [2]
فوائد البنوك هي عين الربا:
وتأسيسا على ما سبق أجمع العماء على أن فوائد البنوك هي عين الربا، وأي محاولة للبحث عن فروق شكلية بينهما – أي فوائد البنوك والربا- للتوصل إلى تحليل ما حرم الله،
هي محاولة عبثية يضحك منها السفهاء فضلا عن الحكماء، وقد انعقد إجماع العلماء على ذلك في القديم والحديث
يقول الإمام محمد أبو زهرة: «لم يكن نظام الفائدة الذي هو الربا حراما في الإسلام وحده من بين الديانات السماوية،
بل إن الديانتين السماويتين السابقتين على الإسلام قد صرح بالتحريم فيهما، فهو محرم في التوراة والإنجيل والقرآن، لا في القرآن وحده،
ولا تزال بقية من هذا التحريم في التوراة التي بين أيدينا، وإن كانوا قد نسوا حظا مما ذكروا به،
ففي سفر التثنية بالإصحاح الثالث والعشرين: لا تقرض أخاك الإسرائيلي ربا، ربا فضة أو ربا طعام، أو ربا شيء مما يقرض بربا»
ويقول أيضا: «وربا القرآن الكريم هو الربا الذي تسير عليه المصارف ويتعامل به الناس، فهو حرام لا شك فيه»
وقد يتوهم البعض أن لفظ «الفائدة» لم يعرفه علماء الإسلام قديما، وأنه ظهر بعد نشأة البنوك والمصارف الحديثة،
وهذا وهم يكذبه الواقع، ويدحضه التاريخ، فقد عرف علماء الإسلام لفظ “الفائدة” من قديم الزمان،
ونصوا على حرمته، جاء في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: «وسئل رحمه الله عن رجل اضطر إلى قرض دراهم فلم يجد من يقرضه إلا رجل يأخذ الفائدة»
وفى فتاوى السبكي:
«أما المعاملة التي يعتمدونها في هذا الزمان، وصورتها أن يأتي شخص إلى ديوان الأيتام، فيطلب منهم مثلا ألفا، ويتفق معهم على فائدتها مائتين أو أكثر أو أقل»
فعبارات الفقهاء قديما وحديثا تنص على أن فوائد البنوك هي الربا المحرم، وليس هذا اجتهادا حديثا توصل إليه الفقهاء بعد نشأة المصارف،
ففي أول سطر من كتاب بحوث في الربا، نص المصنف الإمام محمد أبو زهرة على أن الفائدة هي الربا المحرم في الإسلام واليهودية والمسيحية،
ثم نقل بعد ذلك عن رجال الدين المسيحيين تأكيدهم على حرمة فوائد البنوك،
وأن الربا انتشر في أوربا لعدة أسباب، من بينها أن علماء الاقتصاد كانوا يوهمون رجال الدين بأن الفائدة القليلة هي أجرة إدارة،
أو نحو ذلك، مما يجرى الآن للتمويه على علماء الدين المسلمين، وعلى العامة المتدينين.
فوائد البنوك أسوأ من ربا الجاهلية:
الربا هو مبادلة مال بمال وزيادة، فإذا كانت الزيادة يدا بيد، أي فورية فهو ربا الفضل،
وإن كانت الزيادة مؤجلة فهو ربا الجاهلية، وهو أشد أنواع الربا تحريما،
ويسمى ربا القرآن، أي الربا الذى نص القرآن الكريم على تحريمه، وقد أجمعت الأمة على تحريم ربا الجاهلية،
وأما فوائد البنوك فهي أسوأ وأقبح من ربا الجاهلية لعدة أسباب منها:
1- أهل الجاهلية كانوا يقرضون نقودا فعلية سلعية، وهي الدنانير الذهبية، والدراهم الفضية،
أما البنوك فإنها إلى جانب إقراض ما لديها من ودائع تأخذ فوائد ربوية على ما خلقته من ائتمان أو نقود،
أي تأخذ فوائد على نقود وهمية، فالبنك يقرض بالربا ما ليس عنده، وما لا يملكه، بل ما لا وجود له في الواقع،
ولا يخفى على الاقتصاديين علاقة خلق النقود بالتضخم وزيادة الأسعار، ويدركون خطر ذلك على الاقتصاد.
2- «ربا الجاهلية كان يتم بالتراضي بين الطرفين، ويدل على ذلك قول الجصاص في أحكام القرآن:
والربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة، على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به»
فكان ربا الجاهلية يتم بالتراضي بين الطرفين، أما الربا في معاملات البنوك فيتم فرضه فرضا من قبل البنك دون رضا الطرف الآخر.
3- إذا اقترضت مليونا بأي عملة من العملات،
فأهل الجاهلية كانوا يدفعون المليون كاملة، أما في البنوك الحديثة فيخصم البنك من المليون 10%، أو 20% من البداية،
ويعطيك تسعمائة ألف، أو ثمانمائة ألف، ثم يأخذها منك مليونا، بفائدة 20% تزيد قليلا أو تنقص قليلا حسب سعر الفائدة المحدد من البنك المركزي،
فلم يدفع البنك مليونا، لكنه أخذها مليونا مضافا إليها الفوائد.
4- كانت الديون في الجاهلية استثمارية في الغالب، حيث كان يتم استثمارها في التجارة أو الزراعة أو تربية الأنعام، أما الآن فالديون أغلبها استهلاكية،
والبنوك معظمها تجارية تقترض لتقرض فقط، ولا عمل لها في الاستثمار إلا نادرا جدا.
فتاوى المجامع الفقهية
فلهذه الأسباب وغيرها اعتبر الراسخون في العلم فوائد البنوك أشد حرمة من ربا الجاهلية،
وصدرت العشرات من فتاوى المجامع الفقهية بتحريم فوائد البنوك بالإجماع، ومن هذه الفتاوى على سبيل المثال لا الحصر:
1- المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف المنعقد بالقاهرة في المحرم 1385هـ مايو 1965، وحضره خمسة وثمانون فقيها من كبار علماء الأمة،
وضم ممثلين لخمس وثلاثين دولة إسلامية، ونص في بنده الأول على أن (الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم)
2- المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي في مكة المكرمة، والمنعقد في 1396هـ= 1976م،
وحضره أكثر من ثلاثمائة عالم من كبار علماء الفقه والاقتصاد في العالم الإسلامي،
وأفتوا بالإجماع – دون أن يشذ منهم واحد – بحرمة فوائد البنوك، وأنها من الربا المحرم الذي لا شك في حرمته.
المؤتمر الثاني للمصارف الإسلامية
3- المؤتمر الثاني للمصارف الإسلامية المنعقد في الكويت (1403هـ الموافق 1983م) والذي نص على حرمة الفوائد البنكية
4- قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، المؤتمر الثاني بجدة في ربيع الثاني 1406هـ= ديسمبر 1985م حيث نص على أن:
كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حل أجله، وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله،
وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد، هاتان الصورتان ربا محرم شرعا.
5- قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة في مكة المكرمة في رجب 1406هـ= مارس 1986م
حيث نص على كل ما جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعا.
6 – المؤتمر الثالث للمصارف الإسلامية المنعقد في دبي (1406هـ الموافق 1986م) وفيه تم التأكيد على حرمة الفوائد البنكية.
وفتاوى المجامع الفقهية التي نصت على حرمة فوائد البنوك بالإجماع أكثر من أن تحصى فقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي بالهند،
واللجنة الدائمة للبحوث والافتاء بالسعودية ودار الإفتاء المصرية وغيرها فتاوى يصعب حصرها كلها تنص على حرمة فوائد البنوك بالإجماع،
وهذا ما يجعل هذا الأمر قطعيا لا مجال فيه للظن، والله أعلم، والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.