رغم عمق المآساة التي يعاني منها أهل هذا الثغر المهم والخطير استراتيجياً على ديارنا، ورغم دمائهم وشهدائهم وخسائرهم في الأرواح والأموال؛ يبقى من المهم محاولة قراءة وتحليل المشهد هناك، رغم صعوبة الإغضاء عن محنتهم لتناول أي شيء آخر بالنظر والتحليل.
الواضح أن القيادة هناك قد استفادت من تاريخ الصراع بحذافيره وليس فقط ذلك الجزء الخاص بالأرض المباركة، فما يجري هناك الآن -ومنذ السابع من أكتوبر العظيم- هو استنساخ لمرحلتين من مراحل هذا الصراع بين مصر ودولة الكيان المحتل.
قد تكون محض مفارقة قدرية أو لدفينة تمثل خصيصة من خصائص هذا الصراع، وقد تكون أنثروبولوجية تعود للطبيعة البشرية لأمتنا ولأعدائها، أو للبعد الديموجرافي برمته بما يمثله من إنسان وجغرافيا!
فما جرى يوم السابع من أكتوبر هو في حقيقته “نصر منقوص” أو نموذج مكرر بصورة ما من يوم السادس من أكتوبر 1973 العظيم أيضاً، فكلاهما نصر بلا شك وضربة موجعة للعدو حققت هزيمة نفسية وانهياراً معنوياً وتسفيهاً لقوته الذي زعم أنها لا تقهر.
وما يجري بعد ذلك هو تكرار لنموذج حرب الاستنزاف التي أعقبت الهزيمة المنكرة عام 1967 وصدمة النكسة الكبرى، فبعد استيعاب الرد المدمر والدموي وعودة رجال الأرض المقدسة إلى حرب الشوارع والأنفاق؛ بات من الواضح أنهم لا يعتمدون على أية قوة أخرى، لا عربية ولا غيرها، بل عمدوا إلى تحويل المعركة إلى حرب استنزاف طويلة الأمد حتى يفتح الله بينهم وبين عدوهم.