الأمة الثقافية

عصر الخيل الأخير.. كيف تلاشى الحصان من قلب التاريخ؟

لم يكن الحصان مجرد وسيلة تنقل، ولا مجرد رفيق في الحروب والمزارع، بل كان شريكًا أساسيًا في صناعة التاريخ البشري.

عبر قرون طويلة، شكّل الحصان عالم الإنسان وساعده على بناء الحضارات، لكنه اليوم لم يعد جزءًا رئيسيًا من حياتنا كما كان من قبل.

في كتابه “عصر الخيل الأخير”، يأخذنا الكاتب الألماني أولريش راولف في رحلة عميقة داخل هذه العلاقة المتشابكة بين البشر والخيول، محاولًا الإجابة عن سؤال قد يبدو بسيطًا لكنه يحمل في طياته الكثير من الدلالات: ماذا خسرنا عندما تراجع دور الحصان في حياتنا؟

يبحث راولف في التفاصيل الصغيرة التي ربطت الإنسان بالحصان، كيف كان وجوده محوريًا في المعارك، في الحقول، على طرق التجارة، في الأساطير وحتى في خيال الشعراء والفنانين. لكنه أيضًا يرصد كيف بدأ كل ذلك في التلاشي مع دخول الآلات والتكنولوجيا إلى حياتنا، ومع اختفاء الفلاحين الذين كانوا أقرب الناس إلى الخيول.

لم يعد الحصان جزءًا من الصورة اليومية كما كان، ولم يعد رمزًا للقوة والحرية كما اعتاد أن يكون.

لكن هذا الكتاب ليس مجرد تأريخ للحصان، بل هو تأريخ مختلف للحضارة نفسها. يدعو الكاتب القارئ إلى إعادة التفكير في طريقة كتابة التاريخ، فالبشر لم يكونوا وحدهم من صنعوا ماضيهم، بل شاركتهم كائنات أخرى في تشكيل مسارهم.

يطرح راولف فكرة مدهشة تقول إننا ربما نبالغ في النظر إلى أنفسنا كأبطال الرواية، في حين أن هناك شركاء كثيرين لم ننتبه إليهم بما يكفي، من الحيوانات التي رافقتنا، إلى الأدوات والآلات التي غيرت طريقة حياتنا.

وفي الوقت الذي يعتقد فيه الكثيرون أن القرن العشرين كان عصر صعود الطبقة العاملة، يرى راولف أن الحدث الأهم لم يكن صعود البروليتاريا، بل اختفاء الفلاحين. هؤلاء الذين عاشوا حياتهم على صلة وثيقة بالأرض والكائنات التي ساعدتهم في زراعتها، والذين مثلوا آخر رابط حقيقي بين البشر والطبيعة، ومع غيابهم فقد العالم شيئًا مهمًا لا يمكن استعادته بسهولة.

يقول مترجم الكتاب الصحفي أيمن شرف: إن ما يميّز هذا الكتاب ليس فقط فكرته الفريدة، بل طريقته في السرد. لا يقدم الكاتب مجرد معلومات، بل يحكي قصة، يجعلك تشعر بأنك تعيش داخلها، تتنقل بين الحقول القديمة وساحات القتال، تسمع صهيل الخيول وتلمس أثرها العميق في حياة الإنسان. بأسلوب يجمع بين البحث التاريخي العميق والسرد الأدبي الممتع، يأخذك الكتاب في رحلة تعيد النظر في أشياء ربما لم تفكر بها من قبل.

إن هذا العمل لا يوجد مثله  في المكتبة العربية، وهو متوفر الآن لدى دار الترجمان في معرض القاهرة الدولي للكتاب، صالة 2، جناح A36.

إذا كنت مهتمًا بتاريخ البشر بطريقة مختلفة، أو ترغب في استكشاف كيف تشكلت حضارتنا من خلال كائنات عاشت معنا ثم اختفت من المشهد، فهذا الكتاب هو وجهتك القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights