وسط تصاعد الضغوط الأمنية والصحية والاقتصادية، بدأت السلطات الليبية في شرق البلاد حملة لترحيل المهاجرين السودانيين، رغم التحذيرات من المخاطر الإنسانية الكبيرة التي قد يتعرض لها هؤلاء المرحّلون، في ظل استمرار الحرب الأهلية في السودان، وانهيار النظام الصحي والخدمي هناك.
وأعلن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، السبت، ترحيل نحو 700 مهاجر سوداني، تم ضبطهم في مناطق جنوب شرقي البلاد والمنطقة الوسطى، مشيرًا إلى أن عمليات الترحيل شملت “أشخاصًا ثبتت إصابتهم بأمراض خطيرة ومعدية مثل التهاب الكبد الفيروسي والإيدز، وآخرين ضُبطوا في أوضاع تهريب أو صدرت بحقهم أحكام قضائية أو قرارات إبعاد أمني”.
هذه الحملة لم تكن الأولى، فقد سبقتها عمليات مشابهة، أبرزها ما أعلنه فرع جهاز الهجرة غير الشرعية بمدينة الكفرة قبل أسبوعين، حيث تم ترحيل 172 مهاجرًا سودانيًا، في إطار ما وصفته السلطات بـ”الاستجابة للمخاطر الصحية والأمنية”.
تكدس ومعاناة في الجنوب الليبي
وتعيش المدن الليبية الواقعة في الجنوب، مثل الكفرة وسبها ومرزق، ضغوطًا كبيرة جراء تكدس آلاف اللاجئين السودانيين الهاربين من جحيم الحرب في بلادهم منذ اندلاع النزاع في منتصف عام 2023. وتقول تقارير حقوقية إن اللاجئين يعانون ظروفًا إنسانية بالغة القسوة، من نقص حاد في الغذاء والدواء، وضعف في الرعاية الصحية، إلى جانب محدودية استجابة المنظمات الإغاثية.
ورغم ما تبذله بعض الجهات المحلية والمنظمات الدولية من جهود لتقديم المعونات، تبقى الاحتياجات أكبر من القدرات، خصوصًا مع تزايد أعداد الوافدين، وغياب سياسات استيعاب واضحة أو دعم دولي كافٍ.
عودة محفوفة بالمخاطر
وتثير موجات الترحيل الأخيرة قلقًا متزايدًا في أوساط منظمات حقوق الإنسان، التي تحذر من أن إعادة اللاجئين السودانيين إلى وطنهم في الوقت الحالي قد ترقى إلى الإبعاد القسري، وهي ممارسة تخالف القوانين الدولية الخاصة بحماية اللاجئين، خاصة عندما يكون العائدون عرضة للقتل أو الاعتقال أو المرض أو التشريد.
فالسودان يعيش أزمة إنسانية غير مسبوقة، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 10 ملايين شخص نزحوا داخليًا أو عبروا الحدود، وأن النظام الصحي في العاصمة ومناطق النزاع قد انهار بالكامل، مع صعوبة الوصول إلى الدواء والغذاء، وغياب الأمن بشكل شبه تام.
من المسؤول؟
تفتح هذه التطورات الباب أمام تساؤلات حادة حول مسؤولية المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بشأن حماية هؤلاء المهاجرين، وضمان عدم إعادتهم إلى مصير غامض ومميت.
كما تُسلّط الضوء على الحاجة الملحّة لوجود سياسة إنسانية واضحة في التعامل مع اللاجئين داخل ليبيا، التي ما زالت تعاني هي الأخرى من أزمات سياسية وأمنية داخلية، تجعل ملف الهجرة عبئًا مركبًا يتداخل فيه البُعد الأمني بالصحي والاجتماعي.