أقلام حرة

محمد إلهامي يكتب: «الاستبداد».. و«العلمنة»

يلفت إيرا إم. لابيدوس -المستشرق الأمريكي- في كتابه الضخم والفريد «تاريخ المجتمعات الإسلامية».. يلفت النظر إلى أن «الاستبداد» في تركيا استطاع أن يحقق من نتائج العلمنة فيها ما لم يستطع أن يحققه «الاحتلال» الإنجليزي في مصر.

فرغم أن الاحتلال فعل كل شيء لتقويض الدين، فأتمَّ ما بدأه محمد علي من نسف سلطان العلماء ودورهم في الحياة، إلا أن الإسلام انبثق مرة أخرى من خارج النطاق التقليدي للعلماء، بين «الأفندية» لا بين «المشايخ»، وهو العمل الذي أسس له حسن البنا.

وبرغم أن النظام السياسي والاقتصادي -بدعم ورعاية الاحتلال- أوصل النخبة المصرية إلى أن يظهر فيها من يرفض الخلافة، ومن يشكك في القرآن، ومن ينبذ التراث.. إلا أن إخفاق التيار الليبرالي في حل المشكلات المصرية، وفي طليعتها «مشكلة الاحتلال نفسه»، أسهم في الكفر بالنظام البرلماني ونظام الأحزاب والميل إلى النزعة الفردية (الغربية).

ومن ثَمَّ صار الاحتلال نفسه جزءا من المشكلة، لأنه لم يُعاوِن عملاءه في تحقيق أي إنجاز يدعم موقفهم في تحول الناس من الإسلام إلى الثقافة الغربية، وعدم منحهم السلطة المطلقة لإنجاز هذا التحول!

والنتيجة الطبيعية أن هي أن الاستقلال الشكلي مع دعم الحكومة المستبدة أفضل في فرض العلمنة من الاحتلال نفسه!

يقول في عبارة شديدة الوضوح: «فيما تابع حكام تركيا السير في طريق تطبيق برنامج تحديث ثقافي، بقي القادة المصريون عاجزين عن ذلك. ظل الأخيرون مفتقرين إلى السلطة السياسية المطلقة والوحدة الضروريتين لتطبيق مثل هذا البرنامج».

وهو يشعد بأن تأثير الصحوة الإسلامية (في مصر تحت الاحتلال الإنجليزي) على طبقة المثقفين العلمانيين تسبب في انحدارها وانهيارها وإلزامها بالقبول بقيم وإطارات إسلامية، بينما لم يحدث هذا في تركيا، يقول:

“في مواجهة هذه الموجة الصاعدة من الرأي العام تعيَّن على العلمانيين المصريين أن ينحنوا… وهكذا فإن طبقة المثقفين العلمانية تعرضت، في المناخ الثقافي لثلاثينيات القرن العشرين وأربعينياته لفقدان زمام المبادرة، وللاضطرار إلى القبول بإطار إسلامي، وللانحدار إلى مستوى التلفيق عن طريق المزاوجة بين الإسلام والحداثة. لم تكن المحصلة الصافية إنقاذا للعلمانية بمقدار ما كانت شرعنة للصحوة الإسلامية. في مصر -خلافا لتركيا- بقيت النخبة السياسية عاجزة عن التحكم بجدول الأعمال الثقافي”.

إن حكم العملاء أسوأ على المسلمين من حكم الكفار أنفسهم.. وإن حكم العملاء أفضل للكفار من أن يحكموا المسلمين بأنفسهم!

تلك هي القاعدة التي كم خسرنا لأننا لا نفقهها.

محمد إلهامي

باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى