مقالات

محمد شعبان أيوب يكتب: المشروعان الغربي الفارسي في التراثُ الإسلامي

 

يحظى التراثُ العربي والإسلامي بمادّة وفيرة عن «الروم» وهم سكان أوروبا عموما، وقيل الروم هم السلاف والروس، ولكن يبدو لي أن الروم هم جميع أصحاب العيون الملونة، بيض الأبشار، وشُقر الشعور، كما وصفهم الجغرافيون المسلمون.

 

المهم أن هذا التراث تعامل مع الروم/الغرب بكثير من الموضوعية، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة والروم أكثرُ الناس. والحديث في صحيح مسلم من حديث المستورد القرشي أنه قال: عن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقوم الساعة والروم أكثر الناس، فقال له عمرو: أيصيرُ ما تقول؟ قال: أقول ما سمعتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لئن قلتَ ذلك إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك.

 

فعمرو بن العاص الخبير بالروم لكثرة تجارته معهم قبل الإسلام واختلاطه بهم، وحروبه ضدهم في الشام ومصر بعد الإسلام يدرك العناصر الخمسة التي يقوم عليها بناء الغرب السياسي والاجتماعي، وهي العناصر الباقية على مر السنين حتى يومنا هذا، كما فهمها عمرو.

 

ومن الغريب أنني رأيتُ عند القزويني وهو من علماء القرن الثالث عشر الميلادي في كتابه «آثار البلاد» أنه قال: «إن أهل الروم كانوا لا يُملِّكون إلا مَن كان أكثرهم عقلاً، وأوفرهم علمًا، وأصحهم بدناً، وإذا اختلّ منه شيء من هذه ملَّكوا غيره وعزلوه».

 

وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المشروع الغربي أخطر علينا نحن المسلمين من المشروع الفارسي، قائلا: «فارس نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعدها، والروم ذات قرون كلما سقط قرنٌ ظهر غيره». والحديث ضعيف لانقطاعه، ولكن يؤخذ بشواهده الدالة عليه.

 

ومن هنا أحببت أن أذكر الإخوة المتكلمين في الشيعة وأنهم أخطر علينا من المشروع الغربي أنهم حقيقة لا يدركون حقيقة نظرة التراث التأصيلي للإسلام حول كلا المشروعين؛ هذا إن افترضنا أن المشروع الفارسي الثاني «النطحة الثانية» مقصود به المشروع الإيراني الحالي ولا يعلم هذا إلا الله.

 

نعم لقد كان القرن الخامس الهجري قرنَ الشيعة، وفيه ابتُلي العالم الإسلامي بمصائب القرامطة في الجزيرة العربية، والبويهيين في بغداد، والحمدانيين في الشام، والعبيديين في مصر، ولم يقو أي منهم على صد العدوان الصليبي ثم المغولي.

 

ولكن المشروع الصليبي قديمًا، والغربي حديثًا؛ يريد تدمير الإسلام من داخله وخارجه؛ وأنا هنا لا أرجح خطورة المشروعين على أهل السنة فقط؛ بل أقول إن الشيعة ليسوا بكفار كما قال أكثر أهل العلم، وهم مسلمون، ولكن الكلام عن خطورة مشروعهم على أهل السنة، والسكوت عن مصيبة المشروع الغربي الذي يدمرنا منذ قرنين متتاليين وإلى الآن هو نوع من قلة التقدير والحكمة، الغرب يريد استئصال الإسلام، وما إسرائيل هذه إلا إحدى تجليات هذا المشروع الإجرامي.

محمد شعبان أيوب

باحث في التاريخ والتراث

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى