«ربنا الله» مقولة سهلة في النطق، خفيفة على اللسان.. ثقيلة في ميزان الدلالة والبيان، عميقة الأثر في الشعور والوجدان، وفي السلوك والسيرة من حياة الإنسان صاحبِ الإيمان..
فهي ليست كلمة تقال، أو مقولة تُلفظ بالشفاه، أو مجرد عبارة تترد على اللسان.. بل إنها عقيدة وميثاق، ومنهج وشريعة، وشهادة مع إيمان القلب، ويقظة الشعور، وكامل الإدراك..
إنها كلمة إيمانية عقدية لَها دلالاتها وإيحاءاتها، وآثارها ونتائجها، ومقتضياتها والتزاماتها..
وفي هذا المقال نحاول أن نتحدث عن بعضها:
«ربنا الله» إيماننا.. الذي يتغلغل في كياننا وأعماقنا تغلغل الدم في عروقنا وشرايينا..
«ربنا الله» عقيدتنا الراسخة الحية.. التي تطمئن بها قلوبنا، وتتدفق بها مشاعرنا، وتتحرك بها جوارحنا.. عقيدة تزودنا بإرادة فولاذية لا تُهزم، وقوة يقينية لا تُقهر، وتبعث فينا الهمةَ والثقة، والشعورَ بالعزة والاعتزاز..، عقيدة نستعذب في سبيلها الشدائد، ونستصغر العظائم، ونستخف بالأهوال، ونواجه الأخطار، لا عقيدة متأرجحة مضطربة، جامدة ميتة سلبية بعيدة عن واقعيات الحياة..
«ربنا الله» محور حياتنا كلها.. وقطب رحى جميع أعمالنا ومناشطنا..
«ربنا الله».. فلا نعبد إلا إياه، ولا نخضع جباهنا إلا لعتبته..
«ربنا الله» مرجعنا وملاذنا وملجؤنا.. منه نبدأ وإليه نعود..
«ربنا الله».. فمنه نخشى، وإياه نرجو، ولا نتطلع لمن سواه..
«ربنا الله».. فلا نخضع إلا له، ولا نحتكم إلا لشريعته، ولا نهتدي إلا بهداه..
«ربنا الله».. فلا نتوكل إلا عليه، ولا نثق إلا به، ولا نرجع إلا إليه..
«ربنا الله» فلا نسأل إلا إياه، ولا نستعين إلا به، ولا نتجه إلا إليه..
«ربنا الله».. فلا عز لنا إلا بالتسليم لدينه.. كما كان قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «كنتم أذل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العز بغيره، أذلكم الله».
«ربنا الله».. فلا سلطان لنا إلا بالاعتصام بحبله، ولا منجى ولا ملجأ لنا إلا إليه..
«ربنا الله» مفتاحُ نصرنا، وضمان نجاحنا، وأمانُنا وعصمتنا من كل سوء وشر..
«ربنا الله» منهج كامل شامل للحياة، يغطى جميع نشاطاتنا وأعمالنا، وحركاتنا واتجاهاتنا، وألوان تفكيرنا، ومشاعرنا وأحاسيسنا، وخلجات نفوسنا وخواطر قلوبنا، وصلاتنا ووشائجنا وارتباطاتنا بعضنا ببعض..
«ربنا الله» سرُّ نجاحِنا وعمادُ عزِّنا في الدنيا، وطريقُ فلاحِنا وسببُ نجاتِنا في الآخرة..
«ربنا الله» إن تمسكنا بها قولًا وعقيدة وعملًا وتطبيقًا، كانت لنا الغلبة والعلو والانتصار، وخفقت راية الإسلام في أرجاء المعمورة كلها..
ألا.. إن « ربنا الله» إيمانُنا الذي يجري منا مجرى الروح والدم، وعزتُنا التي نعتز بها، وقوتُنا التي نتقوى بها، ومنهجُ حياتنا الذي ننتهجه، وهتافنا الذي نرفعه، ودعوتُنا التي ندعو إليها، وشعارُنا الذي نتمسك به، وهويتُنا وطابعُنا، ومنبعُ طاقتنا، ومصدرُ عزنا، وخيارُنا الوحيد، الذي لا خيار لنا إلا هو..، وقاعدتُنا التي في إطار إيحاءاتها و مقتضياتها نتحرك ونسعى، ومحطةُ توليد الكهرباء العقدية، التي نشحن بها بطّارية إيمانِنا وثقتِنا، وعزمِنا وعزيمتِنا، وصمودِنا وثباتِنا على الجادة، وسلاحُنا الذي نواجه به أعداءنا، فنقهرهم به ونغلبهم بعون الله ونصره، ووصفةٌ سحرية ناجعة من عيادة الوحي، تعالج همومنا وأحزاننا وغمومنا، و تُبْرِؤنا من آلامنا ومصائبنا، وتعافينا من نكبتنا التي ابتلينا بها، وذلنا الذي وقعنا فيه..
لقد كان المسلمون أعزة أقوياء ما داموا متبنين: «ربنا الله» عقيدة ومنهجًا للحياة، فلما اتخذوها وراء ظهورهم، وتخلفوا عن مقتضياتها، تراجعت مكانتهم، وضعفت قوتهم، وانحطت قيمتهم، وانخفضت رايتهم، وسفلت كلمتهم..
فإذا أرادوا العودة إلى ماضيهم المجيد، ومجدهم المفقود، فعليهم أن يتخذوا -مرة أخرى-: «ربنا الله» شعارهم ودثارهم، وعقيدتهم ودعوتهم، ومنهج حياتهم ونظام سلوكهم.. ترجع إليهم مكانتهم السالفة وعزتهم الماضية.. بقدرة القادر وعز المعز: خالق السماوات والأرض!
فهل هم فاعلون؟
يا ليت.. يا ليت!!
اللهم توفيقَك وعونَك!
(الأربعاء: ٧ من ربيع الأول ١٤٤٦ھ – ١١ من سبتمبر ٢٠٢٤م)