ذلك البروفيسور جرّاح الأطفال المغربي الذي سبق وحكيت عنه، الأستاذ الاستشاري، الذي تحايل كثيرًا من أجل الدخول لغزة، ولم يفوت عدوانا سابقا إلا ودخل خلاله مع الوفود الطبية، حتى نجح هذه المرة أخيرا في دخول غزة بالشهر الثامن للعدوان.
ولم يكتفِ بذلك بل تحايل للوصول إلى الشمال في ظل استهداف كل من يعبر، حتى وصل، ولم يكتفِ بذلك بل عمل ليل نهار مع الوفد الطبي مجريًا أكثر من مئة عملية جراحة عسيرة في شهر واحد، ثم لم يكتفِ بذلك، فحان وقت مغادرة الوفد وأتم مهمته المنسَّق لها، فلم يغادر معهم، وبقي حاملًا روحه على راحتيه.
ثم لم يكتفِ بذلك فأقام منذ يومه هذا بمستشفى كمال عدوان ليكون جراح الأطفال الوحيد تقريبا في شمال غزة المحاصر، تاركًا بيته وزوجته وأطفاله، وهم في كرب عظيم من القلق عليه، وهو في فضل عظيم من الثبات على ما هو عليه، وقد أدَّى ما عليه، ولكنه “لم يكتفِ بذلك”.
روحه المرحة وتواضعه الجم وأبوّته الحنونة وملائكيته الرفيعة تجعله يتخذ الإحسان ديدنا في حياته، فكان طبيبا لجراح الأطفال أولًا ثم بلسمًا على خيط الجراحة وموضع الألم، لكنه لم يكتفِ بذلك!
هذه الصورة للدكتور يوسف، ما الذي يفعله؟ وقد بدت عليه أمارات الشيب أكثر، وغزته ملامح غزة، وكأنها زادت على عمره أيام القطاع الدهريّة، كأن كل ساعة فيها الدهر كله، الدكتور يوسف يجمع مجموعة من أطفال المستشفى، النازحين والجرحى، ويحفّظهم القرآن الكريم، في ساعات راحته النادرة، ولكم أن تتخيلوا ساعات عمل طبيب الجراح الوحيد في شمال قطاع به نحو خمسين ألف شهيد ومئة ألف جريح في عام واحد!
لكنه لم يكتفِ بذلك! عسى الله أن يرفعه في الفردوس درجات حتى يقول ربِّ اكتفيت، لكن الله.. جل جلاله.. لا يكتفي بذلك!