أبو سعيد الصياد يكتب: أزهرنا الشريف.. والأزهر الآخر
إنه أزهرنا الشريف، قبلة علمية عصية، وكعبة العلماء والطلاب على مر العصور وكر الدهور، أملنا في الله أن يكلأه بعينه التي لا تنام، ورعايته التي لا تغفل. فلست هنا بصدد الحديث عن الأزهر الشريف، فأنى لي الحديث عن هذا الصرح العلمي الشامخ بتاريخه وعلمائه وجهاده وعطائه المجدد الدفاق، بيد أني أريد أن أسجل سطورا للتاريخ، عن الحالة التي وجدت عليها الأزهر والحالة التى فارقته عليها!
التحقت بالأزهر الشريف إبان حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، أيام كان الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف، وكان الأزهر يزخر بقامات علمية كبيرة في كل المجالات والتخصصات، وكان في مصر هامش حرية بعض الشيء، فألقى ذلك بظلاله على الأزهر نفسه، حيث التنوعات والتيارات والرأي، والرأي الآخر في بيئة الأزهر على مستوى الأساتذة والطلاب، ولا تخلو الأجواء من حين لآخر من بعض التنغصات.
وتمر الأيام والسنون ليثور الشعب المصري على نظام حسني مبارك الذي جثا على صدره قرابة ثلاثين سنة، وينصب المرحوم الدكتور محمد مرسي رئيسا لمصر والمصريين بشتى أطيافهم، فتنفست مصر الصعداء، لكن فترة حكمه لم تطل، كيف وقد رماه العالم عن قوس واحدة، مؤامرة على الإسلام والإسلاميين!
فانبعث أشقى القوم وزير دفاعه السيسي، وانقلب عليه وعلى مصر جميعا، ليعيدها إلى عصر الظلام الدامس وكهوف البيادة، وهذا الانقلاب الغامش بدوره قلب الأوضاع رأسا على عقب، فصيّر الأماثل الأسافل، والأسافل الأماثل، وسلط الحديد والنار على أعناق العقلاء الأحرار، فهجرت العقول، وامتلأت السجون، وتوسعت القبور، ووئد المنطق، ونودي على الفضيلة بالويل والثبور، فعمّ الجهل أو كاد، ووسد الأمر إلى غير أهله، وتقلد المسؤوليات الجسام مَن لا يزيد عقله على عقل الحَمَّال، وفشتْ نزعة الإقصائية، فقُتِل البعض بفتوى البعض وصودرت أموال البعض بإشارة البعض، فزرعت الأحقاد والبغضاء بين شعب واحد، وهكذا البيادة تفعل!
واستولت نبتة مزروعة على جميع الصعد، منها الأزهر الشريف، يتقدمها علي جمعة وعمر هاشم ومختار جمعة وأسامة الأزهري، يصطادون في الماء العكر، ويتشفون من إخوانهم، يسرحون ويمرحون، ويسبّحون بحمد الانقلابيين!!
ثم إنه تَعَلم بعض الطلبة على يد هؤلاء أو يد طلابهم، فعاشوا متأقلمين مع تلك الأجواء الممقوتة، واستمرأوا الظلم والاستعباد، وتشربوا العصبية والطائفية والإقصائية والاستهانة بالآخر من عمائم السوء، فلا تحفل بهم، هؤلاء ضد أزهر العلم والثقافة والتعايش، وضد الأزهر الذي يجمع ولا يفرق، ويبني ولا يهدم، ويعطي ولا يأخذ، فأزهرنا الشريف يتبرأ من هؤلاء وأولئك، براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فنحن أبناء الأزهر الشريف وطلابه، لا الأزهر الآخر..
أبو سعيد الصياد
محمد الأول إبراهيم النيجيري