أحمد الحاج يكتب: لماذا اغتالت «إسرائيل» صالح العاروري؟
استطاع العاروري أن يجمع عناصر من فتح وحماس والجهاد و«الشعبية». يُدرك المتابع لتصاريح ومواقف صالح العاروري، أن للرجل عدداً من المزايا، والمواصفات السياسية، دفعت «إسرائيل» إلى وضعه على رأس قائمة المطلوبين للاغتيال، وعدم المبالاة بالارتدادات السياسية والأمنية لعملية الاغتيال.
فمؤسس كتائب عز الدين القسام في الضفة الغربية عام 1991، والذي قضى 18 عاماً في السجن، وأُبعد عن فلسطين، وضع هدفين أمامه عند خروجه من السجن،
أولها تثوير الضفة الغربية التي كانت هادئة نتيجة عوامل عديدة، يتقدمها القمع الإسرائيلي،
والهدف الثاني إخراج رفاقه من السجن.
قضية الأسرى لم يمض شهر على خروجه من السجن، حتى كان واحداً من الفريق الذي يقود مفاوضات غير مباشرة مع الاحتلال حول ما عُرف بصفقة شاليط في العام التالي، ويقول الاحتلال إن العاروري كان صلباً جداً أثناء المفاوضات، وهو ما أدّى في النهاية إلى إطلاق سراح 1027 أسيراً فلسطينياً، في مقدمتهم صديقه يحيى السنوار، الذي قضى 23 عاماً بالسجن.
لكن تطبيق مصطلح «تبييض السجون» الذي ردده العاروري، يحتاج إلى أكثر من شاليط، فكانت محاولات متكررة لأسر جنود ومستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية، ويشير المسؤولون الإسرائيليون بالاتهام إلى شخص واحد يتنقّل بين إسطنبول وبيروت، هو صالح العاروري.
بتاريخ 12 يونيو من عام 2014 تتوجه الأنظار مجدداً إلى ذلك الذي قيل إنه يحمل على عاتقه «أم القضايا»، وهي كيفية إطلاق سراح أكثر من 5000 أسير فلسطيني.
ففي بلدة حلحول، قرب الخليل، يختفي ثلاثة مستوطنين. طيلة 20 يوماً وجيش وشرطة الاحتلال لم يتركوا شارعاً أو مغارة في الضفة إلا فتشوها. العثور على جثثهم سيقود إلى عدوان واسع على غزة، فيما سيُعرف إسرائيلياً بالجرف الصامد وفلسطينياً بالعصف المأكول، لتحظى حماس بأسرى جدد في المعركة الأهم خلال العدوان، وهي معركة الشجاعية. إلى الضاحية حديث العاروري من إسطنبول عن تنفيذ عناصر من حماس لعملية الأسر، قادت إلى ممارسة الولايات المتحدة وإسرائيل ضغوطاً على تركيا، فغادرها العاروري واستقرّ في الضاحية الجنوبية لبيروت. جغرافيا جديدة، ودور جديد.
وكما ندمت إسرائيل مرة على إبعاده عن فلسطين، ستندم مرة جديدة بأن كانت سبباً في إبعاده عن تركيا واستقراره في الضاحية.
سيلعب العاروري دوراً رئيسياً في إعادة الدفء للعلاقة بين حركة حماس وإيران، وبقية أضلع المحور القريب منها، وخصوصاً حزب الله.
وباتت لقاءاته المعلنة مع أمين عام الحزب حسن نصر الله دورية، وتثير قلق إسرائيل، من أن التنسيق يتناول بشكل رئيسي مساندة الضفة الغربية، وإطلاق عمل كتائب القسام في لبنان.
واعتبرت أن العاروري هو صلة الوصل الرئيسية بين الحركة من جهة، وإيران وحزب الله من جهة ثانية، وبدأ حديث الصحافة الإسرائيلية عن ضرورة التخلص منه.
انتخابه عام 2017 نائباً لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس أعطى دفعاً جديداً لعلاقات الحركة مع إيران وحزب الله، كذلك لقضية الأسرى، وتثوير الضفة، التي سيتصاعد فيها العمل المقاوم. ولم تتوقف نداءات العاروري لتنفيذ عمليات هناك.
ورأت إسرائيل في تلك النداءات أوامر بالتنفيذ.
لذلك، في العام التالي، عرضت الولايات المتحدة 5 ملايين دولار مقابل معلومات عن الرجل الثاني بحماس بتهمة «المساهمة في تأسيس كتائب عز الدين القسام بالضفة الغربية».
مجموعات الضفة تتصاعد ظاهرة تشكيل المجموعات العسكرية الفلسطينية في الضفة الغربية، كان أخطرها تأسيس مجموعات «عرين الأسود» في نابلس عام 2022، ومجموعات أخرى في قرى ومدن الضفة، قادت جميعها إلى أن ينشر الجيش الإسرائيلي حوالى نصف عديده في الضفة الغربية، وهو ما كان عاملاً رئيسياً في نجاح عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر.
إذا صحت الاتهامات الإسرائيلية للعاروري بتأسيس «عرين الأسود»، أو لعب الدور الرئيسي في ذلك التشكيل، كيف استطاع أن يجمع عناصر من فتح وحماس والجهاد والشعبية وغيرهم في تشكيل واحد؟
هنا يبرز سبب ربما كان عاملاً إضافياً في اتخاذ قرار اغتياله. وذلك هو قدرة العاروري على تجاوز التباينات بين الفصائل، والعصبية الحزبية، والتفتيش عن المشتركات، وهي صفة اكتسبها خلال سنوات سجنه الطويلة، ومعايشته أفراداً من كل الفصائل.
وغالباً، من يمكث في السجون الإسرائيلية سنوات يخرج بنفس وحدوي، وشعور بمسؤولية ما تجاه رفقائه في السجن، أو عائلاتهم.
ويمكن قراءة سلوك العديد من القادة انطلاقاً من تلك القاعدة، ومنهم يحيى السنوار على سبيل المثال.
العلاقة مع الفصائل يتذكّر سكان المخيمات الفلسطينية في لبنان، زيارة صالح العاروري لها عام 2010، عقب إطلاق سراحه، وكانت العلاقة ما زالت باردة بين حركتي حماس وفتح، فاستطاع العاروري خلال لقاءاته أن ينزع التوتر في العلاقة بين الفصيلين الفلسطينيين الأكبرين، من خلال أحاديثه المتكررة عن نضالات فتح، ومواقف مقاوميها في السجون.
وإشادات بعض قادة فتح بالعاروري عقب اغتياله، تتجاوز واجب العزاء، وصدمة الغياب، إلى التعبير عن شعور حقيقي، وعلاقات متينة مع نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.
ويدفع الاعتقاد إلى أن ذلك قد يكون أحد العوامل التي قادت للاغتيال، هو ما أشيع عام 2003 من أن اغتيال القيادي الحمساوي إسماعيل أبو شنب في غزة كان أحد أسبابه علاقته القوية جداً بالفصائل الفلسطينية، وكان القصد ضرب الحوار بينها، بما يشكله المهندس خريج جامعة كولورادو من نقطة تقاطع بين فصائل غزة.
خلاصة القول، أراد الاحتلال أن يحقق أكثر من هدف باغتيال صالح العاروري، منها التأثير على العلاقة بين حماس من جهة وحزب الله وإيران من جهة أخرى، وما يتصل بهذا الملف من دعم وإسناد الضفة الغربية، وكتائب القسام في لبنان، وكذلك هدف إلى القضاء على شخصية تملك قدرة هائلة على الحوار مع كل الفصائل الفلسطينية، وتسعى بشكل دائم لـ«تبييض السجون».