أحمد سعد حمد الله يكتب: عودة الثورة السورية
دائما ما تندلع الثورات الشعبية بشكل مفاجئ، بحيث يستحيل التحسب لها، أو القدرة على مواجهتها..
فمثلما كانت ثورات الربيع العربي (2010 و2011) مفاجئة للأنظمة العربية، وللعالم بأسره، فقد جاءت الانتفاضة الجديدة التي تشهدها الثورة السورية اليوم، مفاجئة ومباغتة للجميع، وفجائيتها هذه هي ما مكنتها من السيطرة على العديد من المناطق السورية، بوسط حلب، ومعظم أراضي محافظة إدلب شمال غرب سوريا، وهي تتوجه الآن (أثناء كتابة هذه السطور) صوب اللاذقية والسلمية، بعد أن أغلقت الطريق السريع الرئيسي بين دمشق وحلب..
والعودة المفاجئة للثورة السورية، هي التي أصابت العالم بالصدمة والخرس في آن واحد، فحتى كتابة هذه السطور، لم يصدر أي تعليق رسمي أو غير رسمي، لأي جهة من الجهات المعنية بالشأن السوري، بما في ذلك النظام السوري نفسه!
فعلى الرغم من وجود العديد من الدول الكبيرة التي لها مصالح داخل الأرض السورية، مثل أمريكا وروسيا وتركيا وإيران، بالإضافة إلى إسرائيل، إلا أن أحدا من تلك الدول، أعلن عن موقفه تجاه ما يجري، أو رد على ما تفعله فصائل المعارضة، أو قال رأيه في الأحداث، أو فالكل يبدو وكأن الصدمة أذهلته وألجمت لسانه عن الكلام!
الربيع العربي لم يمت
وعلى أي حال فإن ما يجري الآن في سوريا، هو تطور طبيعي لثورات الربيع العربي، وقد جاءت تلك الانتفاضة، لتؤكد على أن هذا الربيع، ما زال على قيد الحياة، ولم يسقط أو يُسلم الراية كما كان يظن البعض، بل إنه قائم ومستمر، وكل ما جرى له في السنوات الأخيرة، بالتآمر ضده والانقلاب عليه، كان مجرد سٌنة من سٌنن الثورات الواجبة الحدوث، تلك السُنة التي مرت بها كل ثورات العالم، عندما أراد الله للشعوب، أن تثور على أنظمتها الفاسدة، مثلما أراد في 2010 و2011 للشعوب العربية أن تثور ضد حكامها، وسواء شاءت الأنظمة العربية وحلفاؤها أو لم يشاؤوا، فإن رصاصة التغيير في المنطقة العربية، خرجت من السبطانة (الماسورة) قبل ثلاثة عشرة عاما، ولازالت الرصاصة مستمرة في الانطلاق، وستظل منطلقة، ولن تتوقف إلا بتحقيق أهدافها كاملة، طال الزمن أو قصر، نجحت انتفاضة السوريين الحالية أم لم تنجح..
عادت الثورة السورية.. فمتى تعود داعش؟
والصدمة التي ألجمت ألسنة المتآمرين على الربيع العربي، والكارهين لتحرر شعوب المنطقة، لا تعني أبدا أنهم سيقفون موقف المتفرج مما يجري في سوريا، بل المؤكد أنهم سيتحركون في لحظة ما، سيتحركون على الأقل لحماية بشار الأسد ونظامه من السقوط، ثم حماية مصالحهم، كيف سيكون شكل هذا التحرك وما هو نوعه؟ فهذا ما ستكشف عنه الأيام القليلة القادمة..
بيد أن توقعاتي الشخصية تشير إلى أن الفكرة الجاهزة، والسريعة التحضير لإجهاض تلك الانتفاضة، هي أن يتم الإعلان عن ظهور جماعات إرهابية داخل سوريا، وسيقال إن هذه الجماعات هدفها إحداث الفوضى، وغالبا ستكون تلك الجماعات هي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والتي يفترض أنها ذهبت بغير عودة، وفقا لما أعلنه الرئيس الأمريكي السابق (والقادم) دونالد ترامب 2019، بأن داعش انتهت ولم يعد لها وجود!
وبطبيعة الحال فإن ظهور داعش مجددا، سيتوجب وقوع بعض العمليات الإرهابية في سوريا وخارجها، كما سيتطلب أن تعلن (داعش) عن تبنيها لتلك العمليات، وكعادة داعش دائما، فستكون عملياتها القادمة من النوع المرعب، الموجع للقلوب، الضامن لوجود التأييد الدولي لمواجهته..
وظني الشخصي أن هذا السيناريو كان في بال فصائل المعارضة السورية عندما اتخذت قرارها بتحركها الجديد، وتصوري أن التقدم السريع لهذه الفصائل، والسيطرة السريعة على المدن السورية، والسعي لإسقاط النظام في أقصر وقت ممكن، يكشف عن قراءتهم لهذا لسيناريو، ومن ثم فالحالة الوحيدة التي تضمن لهم النجاح في خطتهم، هي أن يتمكنوا من إسقاط النظام والسيطرة على الحكم في أسرع وقت، ساعتها، سيسقط في يد المتآمرين، وسيصبح المجتمع الدولي في حيص بيص!